البحث في " المؤامرة "

 

الكثير من الكتاب يقدمون تنصل , او براءة , من نظرية " المؤامرة " في مقدمة كتاباتهم , معتقدين بأنهم سيوضعون في خانة الموضوعية الكاملة من قبل القراء , ولكن بعد سطر او سطرين يظهر الميل لأحد الاطراف , ثم يطفح كشف الخيوط والكمائن . يتبرءون من التحليل وفق " المؤامرة " وكأنها اصبحت سبة , خاصة بعد انهيار النظام الاشتراكي وانتصار الرأسمالية , ويتناسون ان احد اسس عمل النظام الرأسمالي من الورش الصغير الى اكبر الشركات العابرة للقارات تعتمد على الاستغلال والخداع , وما هي " المؤامرة " غير الاستغلال والخداع ؟! وإذ حققت الرأسمالية انتصارها على عدوها الاول النظام الاشتراكي , فهل هذا يعني انها تخلت عن احد اسس بنائها الرئيسية ؟! ام انها استمرت ومع عدو اضعف كدولنا وشعوبنا , وبشكل اكثر تنكيلا ودموية ؟ وهناك خلط كبير لدى الكثيرين بين الانجازات الانسانية لحضارة الشعوب الغربية في حقوق الانسان والحريات الشخصية , وبين جبروت وسطوة الحكومات الغربية , والتي قد تصل الى ممارسات فاشية بحق الشعوب والدول الاخرى ان هي حاولت اختيار الطريق الاسلم للنهوض بمقدرات شعوبها وبلدانها .

هذه المقدمة حفزها تصريح ايمن الظواهري المنشور في صحيفة " الشرق الاوسط " يوم 1 / 8 / 2013 تحت عنوان " الظواهري يتعهد ب( تحرير ) معتقلي غوانتنامو" . ومما جاء في الخبر ايضا , مسؤولية " القاعدة " عن هجومين متزامنين على سجنين في العراق الاسبوع الماضي وتحرير اكثر من 500 سجين , وفي باكستان حررت حركة طالبان 250 سجينا الثلاثاء الماضي . الكثيرون لا يشككون في تصريح خليفة بن لادن في زعامة " القاعدة " ايمن الظواهري ما دام الامريكان هم اللاعب الاكبر والوحيد الذي يلزم الخيط بيديه , وصحيح ان التوجهات الامريكية ستصطدم بإرادة الشعوب , وقد تبدل المسار لبعض الوقت , او تبطئ وتراوح بانتظار نضوج اكثر لظروف توجهاتها , وهو ما حدث في موقفهم من الثورة المصرية الاخيرة , والتي اذهلتهم بخروج الجموع المليونية للشعب المصري وقد اجبرت القوى المسلحة المصرية للوقوف الى جانبها ضد غدر الاخوان المسلمين ومرسي , وهو ما سحب البساط من تحت اقدام الموقف الامريكي الذي اراد ان يتناغم مع ادعاءات الاخوان المسلمين : من ان الخلاف بين الاخوان والرئيس مرسي من جهة وبين القوات المسلحة من جهة اخرى , وعزل مرسي هو انتفاضة عسكرية مسلحة واغتيال للديمقراطية .

والسؤال هو : لماذا تم تهريب سجناء القاعدة والتكفيريين في هذه الفترة بالذات ؟ فترة تظهير وتعميق انتصار ثورة الشعب المصري , التي لو يقدر لها اان تستمر في النجاح وعدم خلق الموانع لحرفها مثلما حدث في الثورة الاولى قبل عام , فستكون الزاوية التي سيشيد عليها اعادة بناء مجتمعاتنا العربية والإسلامية وفق النهوض بمصلحة هذه الشعوب وتطوير امكانياتها وثرواتها الوطنية , وهذا ليس من مصلحة اميركا ولا الشركات الغربية التي تعودت على نهب هذه الثروات وإبقاء هذه الشعوب بتخلفها كمستهلك لما تنتجه من مخلفات فائض انتاجها . ورغم العداء الظاهري بينها وبين القوى الاسلامية المتشددة , الا ان مصلحتها الحقيقية هو في سيطرة هذه القوى على امور ومقدرات شعوبها , لأنها ستدفع بهذه الشعوب الى التخلف والتمزق اكثر .

اطلاق سراح قيادات " القاعدة " وإعادة تقوية شوكت حركات الاسلام السياسي فرضتها حسب نظرية " المؤامرة " مصلحة الشركات الرأسمالية وحكوماتها الغربية , وبالذات بعد ظهور بوادر النهوض المصري . ولعل في اطلاق سراحهم من سجن ابو غريب ما يؤكد ذلك , خاصة وان القاعدة فقدت امكانياتها واكبر مرتكزاتها في العراق , فكيف تم لها ذلك ؟! وبهذه الاعداد الكبيرة ؟! لو لم يكن هناك تواطؤ بين فلولها وقيادة الحكومة العراقية المتمثلة بالمالكي ودولة القانون , التي استنفذت كل شئ لإعادة الاحتراب الطائفي , الطريق الوحيد الذي يقيهم من السقوط في الانتخابات البرلمانية القادمة , والذي اشار اليه بعض الاخوة قبل ايام . وهل المالكي ودولة القانون يستطيعون ان يطلقوا سراح اعتى المجرمين من قيادة القاعدة , والذين صرفت اميركا على اعتقالهم المال والأرواح عندما كانوا يهددون سلطتها في العراق , بدون موافقتها ؟!