اضافة الى عدم الكفاءة وغياب القناعة فان من الاسباب الرئيسية لتردي العمل البرلماني وعزوف النواب عنه واهمالهم للواجبات والمهمات الملقاة على عاتقهم وانشغالهم بالمصالح الشخصية، هو التقاعد الضخم البالغ 80% من الراتب يحصلون عليه بعد انتهاء مدة تكليفهم اضافة الى الاستمرار بالحصول على امتيازات الحراسة والسكن والجوازات الدبلوماسية والتسهيلات التي لا يعلمها الا الله وهم فقط. اذ ان النائب لن يضيره شيئا ان لم يُعاد انتخابه مرة اخرى، فهو مضمون مأمون الموارد، ويمكنه بما سيحصل عليه من راتب تقاعدي ضخم ومخصصات حراسة تمنح له بعد تقاعده وبما حققه من ثروات طيلة مدة تكليفه، وهي ثروات وامتيازات كبيرة جدا لم يشهد العراق في اي فترة من فتراته تشريع قوانين تبيح الاستيلاء عليها بهذا الشكل الوقح الذي ضرب بجميع الذمم والنواميس والشرائع عرض الحائط، التفرغ لادارة مشاريعه التي كان قد ارسى اساساتها ووضع خططها خلال فترة العمل البرلماني، فاغلب هؤلاء النواب لهم شركات ومشاريع وعقارات وانتفاعات خاصة تدر عليهم ارباحا سنوية تقدر بالملايين. كما انهم قد استطاعوا توظيف ابنائهم واخوانهم في مناصب عليا في الدولة، فلماذا يتعب النائب نفسه ويبذل جهده في طلب رضا جمهور الناخبين؟ ان رضا جمهور الناخبين تصبح مسألة عرضية وليس جوهرية من صلب اهتمامات النائب. انه في طبقة اخرى غير تلك التي ينتمي اليها الجمهور. لا يوجد برلمان في العالم يكرهه المواطنون ولا يحترمون اعضائه ويتهمونهم بالسرقة ويستخفون بقدراتهم العقلية وقدراتهم العملية وبمؤهلاتهم العلمية مثل البرلمان العراق. فالتمثيل البرلماني يعني ان المواطنين تمنح فلانا من الناس الثقة للتمثيل مصالحهم والتكلم عوضا عنهم والدفاع عن حقوقهم، فان تحول هذا الفلان من الناس الى متحدث عن نفسه ومدافع عن حقوقه وممثلا لمصالحه الخاصة ومطالبا بامتيازت تخصه وحده، فانه يصبح فاقدا لصفته الشرعية ومن حق المواطنين سحب التكليف عنه، فقد تحول الى خائن ملعون، وسارق علني وقح، واقحب عاهر، فايا من النواب لا تنطبق عليه هذه الصفات؟ لقد اصبح البرلمان العراقي مهزلة للقاصي والداني ومسخرة العصور، ، ولولا مآسي حروب صدام وكوارث الارهاب التي افقرت ملكة وموهبة التنكيت والاستهزاء عند الشعب، لكانت مئات الكتب قد أُلفت للضحك والسخرية من هؤلاء النواب والنائبات الذين سلبوا البرلمان شرف تمثيل الشعب وحولوه الى مقهى للغو والعراك وتشريع قوانين امتيازاتهم. بل انهم بصقوا على وجه الديمقراطية وكرهوا الناس بها وحولوها الى واسطة تنقلهم الى حيث جزيرة الكنز حتى ما ان حصلوا على ما ارادوا، وسخوها ببقاياهم وتغوطوا فيها وغادروها محملين بما حصلوا عليه منها. لقد حول هؤلاء المنتفعون الديمقراطية الى طغموقراطية اي حكم الطغم. ان مسئولية التصدي للقوانين الجائرة، تلك التي تكافيء المهمل والمزور والمتقاعس والفاسد والمختلس على عمله وتمنحه امتيازات اثناء وبعد انتهاء تكليفه والتي يشرعها هم لانفسهم، هي ايضا من مسئوليات السلطة القضائية، ليست الرسمية فقط، بل ايضا، تلك التي يجب ان يضطلع فيها الحقوقيون المتخصصون والمهتمون بالشئون القانونية والحقوقية، خاصة اولئك الذين ينتمون للاحزاب ولمنظمات المجتمع المدني، لكن ولسوء الحظ، لم يكن الشأن الحقوقي في العراق شانا اساسيا لا في الحياة السياسية ولا في الحياة العملية، كان وما زال شأن عرضي لم يبلغ مرحلة ان يكون قطب السلطات الثالث وعمود الدولة وخيمة المجتمع التي يلجأ اليها ليقاض اولئك الذين اطلقوا ايديهم في ماله وحقوقه وشئونه الشخصية. كما ان اللسلطة القضائية في سبات عميق، لا تحرك ساكنا حتى عندما يحاول الناس ايقاضها، فهي على ما يبدو لا تصحو الا على منبه السلطة ، والسلطة من مصلحتها ابقائها مستغرقة في نوم كهفي عميق مادام مصلحتها، اي السلطة لا تقتضٍ ايقاضها.
|