هل سنشهد انقلابا امريكيا على العملية السياسية بالعراق

 

تناقلت الاوساط الاعلامية والسياسية باهتمام بالغ ما طرحته افتتاحية جريدة الواشنطن بوست حول الوضع العراقي وما حددته من خيارات لمعالجة الامور واعتبرت تلك المحدَدات بمثابة شروط لاستمرار المشروع الامريكي في العراق وكأن ما جاءت به امريكا يمثل الحالة المثلى للخلاص في العراق متناسية ان اساس البلوى في العراق تتمثل في المشروع الامريكي وفي احتلال امريكا للعراق وما تبعه من سياسات جرت على العراق دولة العراق بمكوناتها التكوينية كوراث اقل ما توصف به انها تدميرية ازالت الدولة مؤسساتها وتلاعبت بالنسيج المجتمعي العراقي وغيرت من طبيعة التعايش القائم فيه . ان نشر تلك القرآءة في الواشنطن بوست الجريدة الأكثر تداولاً في العاصمة واشنطن ، والأقدم في تلك المنطقة، تأسست الصحيفة في عام 1877. تصدر الصحيفة في واشنطن عاصمة الولايات المتحدة. تركز صحيفة واشنطن بوست بشكل خاص على السياسة الوطنية المحلية. ويتم طبع طبعات يومية لعدد من المقاطعات. يتم طباعة الصحيفة على الشكل التقليدي الكبير المتعارف عليه في الصحف، ويتم طباعة الصور بالالوان وكذلك باللونين الأبيض والأسود. في بداية السبعينات وقت حدوث أشهر فضيحة في تاريخ الصحيفة وهي فضيحة وترغيت ، قام الصحافيان بوب وودوارد وكارل بيرنشتاين باجراء التحقيق في الصحافة الاميركية، وساهمت تقاريرهم التي أعدوها إلى استقالة الرئيس الأمريكي نيكسون فازت الصحيفة ب 47 جائزة بوليتزر، تشمل منها ست جوائز بوليتزر منفصلة منحت للصحيفة في عام 2008، ثاني أكبر يمنح لصحيفة في سنة واحدة. كما حصلت صحيفة واشنطن بوست على18 زمالة نيمان و 368 جائزة من جمعية مصورين صحفي البيت الابيض. تعود ملكية الصحيفة لشركة واشنطن بوست، وهي شركة اعلامية وتعليمية، وتملك أيضاً شركة كابلان والعديد من وسائل الإعلام الأخرى , يعطي للامر اهمية خاصة كون هذه الصحيفة غالبا ما تتبنى وجهة النظر الحكومية أو انها تعكس بصورة ما توجهات الحكومة الامريكية فالامر يعني ان الادارة الامريكية تسعى لادخال العراق ضمن تحديث مخططها في المنطقة بعد تجربة الربيع العربي الذي اطلقته استكمالا لمشروعها لفرض اجندة جديدة تقوم على تغيير وجوه حكم تابعة لها بعد ان استلزم الوضع الدولي ذلك , ان المشروع الامريكي الحالي يقوم على فرض هيمنة امريكية بثوب جديد غير ما اعتاد العالم عليه وتمثل هذه المرة بتمكين قوى الاسلام السياسي من الحكم لا حبا في الاسلام ولا بتيار الاسلام السياسي والذي يفترض ان يكون معاديا للنهج الامريكي الاستكباري انما من اجل الاجهاز تماما على المشروع الاسلامي الحقيقي والذي لا تمثله القوى السياسي التي تتجلبب بجلباب الاسلام زورا , ما طرحته الواشنطن بوست يشكل مقدمة لانقلاب على ما اتفق عليه العراق والولايات المتحدة ضمن اتفاقية الاطار الستراتجي وبالاخص فيما يتعلق بحماية ومعاونة النظام الديمقراطي الذي تفخر امريكا بانها اقامته في العراق وبعيدا عن صدقية الديمقراطية التي جاءت بها الدبابات الامريكية دون تفويض دولي ثم ما تلاها من قرار اممي باعلان العراق دولة محتلة بارادة امريكية غاشمة وبخطوة استباقية لاجهاض اي محاولة عراقية او دولية لمعاقبة المحتل حسب قواعد القانون الدولي . لقد اسست امريكا في العراق وضعا لايمكن للعراق خلاله ان يستعيد عافيته , فامريكا هي من ادخل الارهاب للعراق ورعته من خلال سياسية نغربونتي وخلفه زلماي الذي اسس لفكرة امراء الحرب وقبل ذلك فرضها لنظام المحاصصة الطائفية بالحكم والتي خدعت بها القوى السياسية العراقية وتلقفتها بحفاوة لانها منحت لكل كيان سياسي قوة التمسك بالسلطة تحت عنوان طائفي في فترة البحث عن الذات , ولعل الحقيقية التي يتجاهلها البعض ولا يريد ان يصدقها هي ان امريكا بعد فشلها المخزي في ادارة الملف العراقي والذي اقترب ان يكون مستنقعا داميا يعيد للشعب الامريكي وقوى الضغط فيه ذكريات البركان الفيتنامي اضطرت للخروج من العراق مرغمة لكن بعد شوهت ولادة النظام السياسي الجديد وبعد ان وفرت كل عوامل الاضطراب في كل مفاصل الدولة وبالمقدمة المفصل الامني , لقد نجح الامريكان بزرع بذور الفتنة في الوسط السياسي العراقي وسلبت الدولة العراقية كل مقومات النهوض فسلطت المفسدين من عملائها وهيأت الظروف المناسبة لمحاصرة القوى الوطنية والشخصيات النزيهة التي تمتلك مشروعا عراقيا قادرا على النهوض بالوضع واقامة دولة عراقية ديمقراطية تحول حالة الاحتلال من حالة احباط ونكوص الى حالة ارتقاء وتحول ايجابي بعيدا عن الطائفية والعرقية والمحاصصة السياسية التي تعمدتها امريكا لانها حين تعاملت مباشرة مع الشعب العراقي بنخبه وكوادره وبعامته ادركت تماما ان بامكان العراق ان يستعيد عافيته وينهض من جديد بوقت سريع اذا تهيات الظروف المناسبة له فخلقت ظروف صراع سياسي بين قوى سياسية مهيمنة لاتملك للاسف الرؤية الوطنية المستقلة بصنع قرارها وتوجهها ,وبالمقابل منعت القوى الوطنية من الوصول الى مراكز صنع القرار والمشاركة في اقامة النظام السياسي الجديد , وتركت العراق ضعيفا تنقصه مقتضيات التعافي , فالجيش بني على اسس خاطئة ويعوزه التسليح المناسب وفرضت عليه شروطا قاسية من اجل ان تمنعه من القيام بدوره في فرض الامن وبسط الامان في ربوع الوطن , وتماهلت كثيرا في قضية خروج العراق من طائلة الفصل السابع حتى اضطر لتقديم تنازلات كثيرة للكويت ما كانت تحلم بها , ثم تركت العراق غير المستقرسياسيا والمهدد امنيا والذي خربت بنيته التحتية الوارث لمشاكل النظام السابق الداخلية والخارجية , يواجه متاعب كثيرة وتمسكت بخيوط ادارة اللعبة السياسية فيه , نعم كان بامكان امريكا ان تفعل الكثير لو كانت جادة وصادقة بنواياها , ان اسقاط النظام المباد في العراق لم يات حبا بالعراق ولا بشعبه انما كان الخطوة الاولى في مشروع الهيمنة الامريكية الصهيونية على منطقة الشرق الاوسط وبرؤية جديدة , ان فشل تجربتي الاحتلال في افغانستان والعراق والخسائر التي لحقت بالامريكان دفعتهم لاتباع اسلوب اخر هو اسلوب الربيع العربي باساليبه المتنوعة , فثورة الجياع في تونس التي اسقطت النظام فيها وثورة الفيس بوك في مصر والتي جاءت بالاخوان وتجربة دعم معارضة الداخل بالدعم اللوجستي والضربات العسكرية في ليبيا , وتجربة فتح سوريا للارهاب بكل صوره في محاولة لضرب مشروع المقاومة العربية الاسلامية المتمثل بحزب الله ورعاية سوريا لذلك , لقد فشلت امريكا بكل تلك الصفحات أو انها ربما تكون خططت لذلك واستعجلت الامور لتصحيح المسارات من خلال انقلابات بيضاء في قطر ومصر وما يتبعها حيث ارى ان تونس اقرب المرشحين لذلك فيما اذا نجحت تجربة السيسي في مصر , لقد ادركت امريكا ان مشروعها في سوريا تعثر وان بقاء النظام السوري حقيقة لابد من التعامل معها بموضوعية وواقعية فما يجري في سوريا لا تنحصر اثاره السلبية على سوريا وحدها انما يتعداها الى كل المنطقة ويمكن ان يتعدى حدود الاقليم العربي لقد ادركت الادارة الامريكية ان خطأً ستراتيجيا تتركبه امريكا اذا تدخلت هي او مناصروها تدخلا عسكريا مباشرا كما ان ترك الامور على ماهي عليه يقود المنطقة الى نهيات مفتوحة لا يمكن التكهن بنتائجها من هذا الادراك المتاخر تاتي الطروحات الامريكية الجديدة التي عبرت عنها افتتاحية الواشنطن بوست , فقرآة هادئة لما طرحته الصحيفة الامريكية تقود الى اثارة هواجس حقيقية في ان الادارة الامريكية تريد ان ترجع بالملف العراقي الى مربعه الاول فالتهديد هذه المرة جاء الى شخص الرئيس المالكي الذي يعاني ضغوطا داخلية كبيرة سببها الفشل الذريع للحكومة على اصعدة الامن والخدمات واستشراء الفساد , لقد رحبت امريكا بالسيد المالكي بولايته الثانية ودعمته وهي اذ تنفض يديها عنه انما تثير فتنة جديدة ضده بدعوتها الى اسقاط تهم عن سياسين سنة موحية بذلك الى ان التهم هي كيدية طائفية لا واقع لها وانها تدخل ضمن سياسات المالكي في تهميش شركائه وتسقطيهم , ومن اجل تقييم واقعي لابد من تجميع خيوط استدلالية على التطورات الحافة بمشهد التفاعل للقوى المؤثرة في الشأن العراقي نجد ثلاثة احداث مهمة تتماهى تماما مع الرؤيا الامريكية التي طرحتها الواشنطن بوست اول تلك الاحداث هو حادثة الهروب الجماعي لسجناء القاعدة من سجن ابي غريب وثانيها ما تداولتها وسائل الاعلام العراقية حول العرض الايراني للمالكي بنشر عشرة آلاف عنصر من عناصر الحرس الثوري الايراني لحماية المناطق الشيعية وتعهد ايران بفرض الامن والقضاء على الارهاب خلال ثلاثة اشهر ويقينا ان امريكا وايران قادرتان على انهاء الارهاب وبنسبة كبيرة وبفترة قياسية لانهما ومن دون الحاجة لسوق ادلة مادية من اكبر رعاة الارهاب في العراق لدرجة ان العراق اصبح ساحة الصراع بينهما , وثالثهما ما طرحته وسائل الاعلام وعلى عهدتها من عرض قطري على السيد عمارالحكيم خلال زيارته لقطر من صفقة لتسوية قضية طارق الهاشمي تتمثل باسقاط التهم عنه مقابل كشفه لمخططات ارهابية , هذه الاحداث تتناسق فيما بينها لتقود نحو نتيجة واحدة وهي ان الارادة الامريكية تريد ان تفرض واقعا جديدا في العراق يمثل انقلابا على كل الاتفاقات التي انتجت النظام السياسي وهي بعبارة واضحة صريحة مسعى امريكي جاد لقلب معادلة الحكم التي طبقت بعد سقوط نظام صدام اي انهاء الهيمنية الشيعية على رئاسة الحكومة ولكن بخطوات متانية تبدأ بزيادة لضغط على المالكي حليف الامس وخصم اليوم اذا لم يوافق على شروط امريكا ووضع المعرقلات امامه لاسقاطه تماما والاتيان ببديل شيعي يتبنى المشروع الامريكي ويخطو خطوات امريكية هذه المرة بعيدا عن التوافق مع ايران تنيجة صفقة امريكية ستمنحها لايران لتسوية الملف النووي الايراني وترتيب الوضع السوري , ليكون الشيعي الاخير الذي يترأس العراق , اي ان امريكا تسعى لعزل العراق المحكوم من شيعي وان كان بمواصفات و شروط امريكية محددة وينفذ سيناريو امريكي حتى يعود مرغما بالبلاد الى حكم سني بارادة انتخابية بعد تهيء امريكا قوى سياسية تطرح مشروعا ظاهره وطني وباطنه طائفي حد النخاع تخدع به اولا النخب الساسية وتخضع له الجماهير تحت وطأة الفساد ونقص الخدمات التي ظلت تعانيه تلك الجماهير طيلة سنوات الحكم الشيعي ذي الصبغة الاسلامية , وحينها يتوقف الارهاب وتمنح امريكا وعملاؤها من حكام العرب التي وقفت موقفا معاديا للنظام السياسي العراقي الجديد دعمها للعراق لينهض من جديد , فهل ستنجح الولايات المتحدة بانقلابها على شيعة العراق وهل سيعي الشعب العراقي خبث المخطط الامريكي القادم ؟ سؤال ستجيب عنه الايام القادمة.