تعدد الآفات !!

 

 

 

 

 

 

تذكرت الأستاذ (مدني صالح) رحمه الله , وأسلوبه الممتع في الكتابات الفلسفيه , ومهارته في إطلاق روح الكلمات على سطورٍ معبآةٍ بالأفكار الوهاجة , وكم إلتقيته في حضرة الإبداع , وقد تشعب الحديث وتنوعت مشاربه وإتسعت آفاقه.

تذكرته والكلام عن "تعدد الثقافات", لقادم من مستنقع تعدد الآفات وتناميها , والإستثمار فيها بتحقيق الويلات. 

وتعجبت من طبيب يداوي الناس وهو عليل , وكأنه يرى الأصحاء مرضى والمرضى أصحاء , ويحسب الإنسان غير الإنسان , والناس منقطعة في رمضاء , وإنها الداء!

ويبدو أن تعدد تعني تقدد وتفتت وتقطع وتكسّر , وتبعثر وتناحر وتشاجر , وتبادل القبلات بفوهات الثعابين وذيول العقارب الصفراء , لأن ذلك جزء مهم من دورة الحياة والبقاء , كالصخرة الخاوية الصماء.

وكأنّ في التعدد إنتشار بغضاء وشحناء , وبناء لعمارة التلاحي والتداحي في جحور ظلماء , تتحول فيها الأحياء إلى خفافيش عمياء , فتذعن لإرادة الداحي , المتوّج بالقدرات الكفيلة بتحقيق أعلى درجات الإنشطارات الأميبية في صندوق أوهامه العصماء.

وفي زمن ديمقراطوس , صارت الموجودات ذات جنون فياض , وتفاعلات تماحق وانقراض , وتهرجت وتمرجت , وتجمعت فوق الرؤوس والنفوس الأنقاض , وقال قائلهم : "كام الداس ياعباس" , فالناس تدوس الناس , في إحتفاليات دموع الأعراس , فتعوّذوا من الوسواس الخناس.

وكل إناء بما فيه نضوح , وروائح العفونة تفوح , وبلاد الخيبات على الباليات تنوح , ويخطب الخطباء بالقول النصوح , والواحد منهم صاحب ألف وجه ووجه مفضوح , والمنادي ينادي , إفعلوا ما أقول ولا تفعلوا ما أفعل , لأن في ذلك إعتداء وجنوح.

والأشاوس يلتحفون بسور الصين العظيم , خوفا من الشيطان الرجيم , ومن البشر المنسحق الكظيم , الذي يسبّح بكرة وأصيلا لربه الرحيم , فينثرون الرزايا على جموع تستظيم , فيتلذذون بشظايا التعددية وما تجلبه من نعيم , ولا يؤمنون بأن فوق كل عالمٍ عليم , وكأنهم لا يدركون بأن شرهم شر وخيم.

فتثقفوا , أيها الناس , وتعلموا التعدد في الثقافة والرأي والفعل والقول , لأن المصالح تقتضي أن تعيشوا في تعددية ذات نيران حامية , تهديكم إلى جحيم الهاوية , فتتذوقون سقر , وتتعلمون ما هيّه, وإياكم إياكم أن تقولوا إنها قاسية , بل عليكم أن تسبحوا لأدعياء تعدد الثقافات بأقوالهم , وتدميرها بأفعالهم , وفي ذلك يحققون ضربتهم القاضية.

فما أنتم سوى عروش خاوية , وأعداد واهية , وكلكم على يسار عمود خيمة في البادية , تدوسكم سنابك متدانية , فتحيلكم إلى تراب وأشياء بالية , فتنعّموا بقهركم وعسر مدينتكم الباكية ,  وتعففوا وتزهدوا وتمرّغوا بتراب ايامكم الجاسية , فذلك يقربكم إلى جنات نعيم وأنهار بها الأحلام جارية , ودعونا في متعنا وقصورنا العالية , فذلك من فضل ربنا على عباده الساعية.

فهل عرفتم قيمة تعدد الثقافات , في بلد الثقافات , أيتها العقول المخرّبَة المتناسية.

وقهقه عصفور على نافذة شباك تطل على تنوعات موجودات بالروائع متفانية , وسقطت لفة قماش تتدحرج بين الكراسي الخالية!!   

وتردد صوت يقول: آفات , أفات , وكل آفةٍ لها إمتيازات!

فسقط السقف ومات الحضور من شدة البلاء!! 

ولا زال الصوت يردد : واعتصموا بآفاتكم لعلكم تفلحون!!!