ترميم البيئة

 

ثمة أشياء في البيئة تهدم بشكل يومي ولا يتم تعويضها، بل إن من الصعب جداً ترشيد هذا الهدم والحد منه، في ظروف متشابكة، ولعلّ أكثرنا لا يدرك بالفعل إن أكثر الكوارث البيئية التي تحدث بين وقت وآخر، مصدرها وسببها الإنسان نفسه، مع نسب وقيم متفاوتة في التأثير، حتى وصل الهدم البيئي إلى أسوأ مراحله وأقساها، وما نتج عنها من احتباسات حرارية ونضوب في مصادر المياه العذبة وجفاف قاس جرف مساحات هائلة من الخضرة أدى إلى تصحر موحش. عوامل كلها تدخل ضمن الهم اليومي والمكابدة المتواصلة لمعاناة الإنسان، وهي ردة فعل البيئة عن ما تواجهه من اعتداء وتجاهل متواصل، وقد حق القول على قارات كاملة لا يولي أكثر سكانها اهتماماً بالتربية البيئية الصحيحة واعتبارها منهج حياة وعملا وإدراكا لتجنب الاستعمال السيئ للموارد الطبيعية وتأثير هذا الفعل على استنزاف تلك الموارد ونفاذها، وهي خطوات تبدأ من التربية البيتية قبل أن توضع ضمن المنهج المدرسي، فمن المهم اكتساب مفاهيم هادفة لتنمية المهارات والفهم الواعي للعلاقة بين الإنسان وبيئته، والأمر في واقعه يتعدى تدريس المعلومات والمعارف وتبادلها بصورة روتينية، الى التمرس في عملية صنع القرارات، وتحمل المسؤولية ووضع قوانين للسلوك تخصّ المسائل المتعلقة بتثمين وحماية البيئة، ودعم الجهود المرصودة لأجلها.

إن مسؤولية وزارة البيئة هي الأساس في التوعية والتعامل مع المخاطر البيئية المحيطة، والتي تدق أجراس الخطر على صحة الإنسان، بدءاً من التثقيف بالطرق الحديثة للتخلص من المخلفات بطريقة لا تسمح بالتلوث، والابتعاد عن جعل مصادر المياه مسالك للصرف الصحي، ومواكبة المستجدات مع تطور الحياة وتفاصيلها، ففي الانتشار العشوائي لأبراج الهاتف المحمول غير المرخصة بيئياً (على سبيل المثال) نموذجاً لما تواجهه الوزارة ودوائرها من تحديات بين رغبة المواطن، وبين عروض وعمل شركات الهاتف، وبين التمسك بالمعايير العالمية في قياس الموجات المنبعثة من الأبراج. كل هذه الأمور تتطلب جهداً للمتابعة، وجهداً إعلامياً مضاعفاً يواكب الأحداث الميدانية لعمل الوزارة وكوادرها، ومن يدرك حجم الخطر البيئي سيضع في حساباته ميزانية إعلامية ضخمة لإدارة هذا العمل، لكن من يتابع الفعاليات المعلنة سيجدها بسيطة ولا ترقى إلى مستوى المرجو، حتى إن من يعاين المواقع الالكترونية المعنية بالموضوع البيئي سيصاب بخيبة أمل وصدمة، ولعلّ من يقول إن البذخ في مثل هذه المجالات يعتبر هدراً مالياً غير مبرّر لا تشجع عليه الوزارة أو المؤسسات المدنية، ولكن الحاجة إلى التواصل والتأثير الآن أصبحت عبر وسائل الإعلام، والتي تفرض وجود مواقع على شبكة التواصل العالمية تستحق أن تكون مرجعاً للذائقة العالية في المعلومة والخبر والإخراج الفني، وغيرها من جماليات هي في صميم الهم البيئي.