ترحيل الأزمات ....مراهقة سياسية

مرت بالعراق أزمات عدة .و لم تتمكن الكتل السياسية وزعماؤها من حلٍّها,بل رحلتها لمستقبلٍ وزمن غير معلوم.وهذا دليل عجز زعماء الكتل وضبابية فكرتهم, وكما قيل:

على قدر أهل العزم تأتي العزائم

 والأداء الضعيف لمجلس النواب,يبب كبير في هذا..لأن النائب لا يستطيع إبداء رأي يخالف  رأي رئيس كتلته .فربما إنه دخل المجلس وفق نظام المقاعد التعويضية .الذي جَيَّر رئيس هذه الكتلة وأسباهه أصوات الناخبين له و لأشخاص لم ينتخبونهم هم ولا يريدون أن يمنحونهمهم ثقتهم.وتصر الكتل السياسية على تعطيل دور مجلس النواب لأصرارها على الأبقاء على طريقة رفع الأيدي عند التصويت , وإستبعاد الطريقة الإلكترونية بالتصويت ليبقَ الحال على ما هوعليه. وتظل هي من يهيمن ويسيطر على إرادة الشعب دون وجه حق. وقد لاحظنا كيف يدير رئيس الكتلة أو من يمثله رأسه ليرى من يخالفه, ليعاقبه على الخروج عن طاعة الأمير.كما تسببت روح الهيمنة والأستحواذ في إصرار الكتل السياسية على عدم تعديل قانون الأنتخابات وفق ما إرتأت المحكمة الأتحادية بشأن المقاعد التعويضية.وأصبح ترحيل الأزمات هواية تُمارسها الكتل ولا تجيد غيرها.

من أخطر الأزمات التي مرت بالبلاد هيَّ موضوع رفض الأخوة الكورد  تشكيل قوات دجلة ورفض تواجدها في المناطق التي سموها ظلما وعواناً المناطق المتنازع عليها, بعد أن كانت مناطق مختلطة مشتركة يعيش فيها الناس بمودة ومحبة وتآلف حضاري إنساني .ولا ادري هل إن مَن كتب الدستور وأطلق عليها هذه التسمية كان يرمي خبثاً أم إنه سوء تصرف أو غباء؟ وإني أُدين بالإحترام للدكتور محمود عثمان ,عندما قال إن هذه التسمية خطأ كبير وإن الأصح هو تسميتها المناطق المشتركة لا المتنازع عليها.

وقد يكون من أسباب موقف الكرد هذا سببه تراكمات الماضي, وعدم ثقتهم بشركاء اليوم,أو طموحهم في الأستيلاء على أراضٍ أخرى خارج حدود الأقليم.ولكن كل هذا لا يبرر لهم هذا الموقف كون العراق بلد إتحادي واحد ومن حق جيشه الوطني التحرك والتجحفل في اي مكان من أرض الوطن. وكون العراق دولة إتحادية لا يعني إن فيها أكثر من جيش, وما البيشمركة بالحسابات الوطنية إلا جزء من القوات المسلحة العراقية.

دول كثيرة نظامها فيدرالي ,ومنها الولايات المتحدة الأمريكية . ليس فيها إلا جيش واحد وعلَمُها واحد هو العلم الأمريكي.ولا ترفع أية ولاية علماً على رأس وحدة عسكرية سوى العلم الأمريكي, وهكذا الهند وسويسرا والإمارات العربية المتحدة .فلماذا نحن خلاف كل العالم والبشر؟

وقفت غالب الكتل السياسية متفرجة, وبموقف إنتهازي منافق. ولم تبذل جهداً ولم تطرح حلولا لأزمة قد تُدخل العراق في صدامات مسلحة .الشعب لا رغبة له فيها ويستنكرها.وهي بموقفها هذا أثبتت بعدها عن مصالح الشعب ومصيره.وفي ذات الوقت رفع البعض من وتيرة التصريحات الأعلامية النارية التي توجر نار الفتنة.بدل منطق العقل والحكمة والحوار الهاديء,وإستغلال العلاقات التأريخية مدخلاً للوصول الى ما يرضي الجميع.ويُمَهِد للتوافق في قضايا أُخرى.

ولم يحقق التدخل الشخصي من قبل رئيس مجلس النواب حلاً لهذه الأزمة. بل رُحلت أيضاً . لأن ما طُرح هو تشكيل قوة مشتركة من القوات الجيش العراقي ومن البيشمركة .لتتولى الأمن في ما سموه مناطق متنازع عليها أو تكون الشرطة المحلية هي من يتولى ذلك وطرح حلٌ آخر هو تشكيل قوات من أهالي هذه المناطق. وهذه كلها حلول ترقيعية لرداء رث لم يعد صالح للأستعمال .كل هذه مسكنات لن تحل المشكلة أبدأ.وهي قابلة للأنفجار في أي حين وأي مكان ولأتفه السباب,لأن  النية الطيبة وروح التفاهم والمنطق غير متوفرين.

هذا يعني إن وحدات من الجيش العراقي ووحدات أُخرى من البيشمركة ستتولى حفظ الأمن في ما سموه مناطق متنازع عليها. وإن حدث أي خلاف مُستقبلاً فإن كل من هذه الوحدات ستعود وتصطف إصطفافاً عنصرياً. ونعود لما كُنا عليه من إحتقانٍ. أما قوات الشرطة فمشهود لها بعدم الكفاءة والتبعية للكتل والأحزاب كان الأحرى أن يكون الحل بتشكيل وحدات عسكرية مختلطة.كل وحدة تضم كل أطياف الشعب العراقي. ولاتكون الوحدة العسكرية من قومية واحدة , بل من الجميع.وولاء هذه الوحدات للعراق لا لأقليم أو طائفة أو حزب سياسي.

ويقتضي هذا ايضاً المباشرة برفد قوات البيشمركة بأفرادٍ وعناصر غير كردية. وبالمقابل رفد القوات العراقية الأخرى بعناصر وأفراد من كافة أطياف الشعب العراقي ومن هنا يبدأ توحيد الجيش ليكون بعَلم واحد وولاء واحد هو للعراق لا لجنس أو طائفة.

هناك مشاكل خطيرة رُحلَت ولم تُحَل . وهيَّ ألغامٌ قابلة للإنفجار في أي وقت كقوانين النفط والغاز والمحكمة الأتحادية و الأحزاب,وطريقة إختيار المفوضيات كمفوضية حقوق الأنسان وقانون الأنتخابات, والمسائلة والعدالة التي إختيرت وفق المحاصصة بعيداً عن الأستقلالية والكفاءة.وقانون المحافظات والأقاليم وعلاقتها بالمركز وصلاحياتها. والمشاكل تتعاظم وتتزايد بإضطراد وسيأتي يومٌ تكون فيه أكبر من البلد وحجمه وقدراته. فيضطر الجميع على الفراق الذي خُطِطَ له من الغير ومن خارج الوطن.

يُصبح العراقيون كل يوم على إزمة جديدة تُضاف الى أزمات أُخرى مُرُحلة.وآخر ما سمعناه من السيد مدير الهجرة في إقليم كردستان من أن العراقي من غير الأقليم لا يحق له الأقامة في الأقليم إلا بعد حصوله على عقد عمل .وكأن هذا العراقي في دولة أخرى وليس في أرضٍ عر اقية.وهذا أمر خطير قد يستدعي رداً بالمثل من السلطة في بغداد.وهذا الأجراء الكوردي لا تتطلبه دول كثيرة من دول العالم ,فأنا مقيم وأقيم في عدة دول ولسنين ولم تطلب مني هذه الدول عقد عمل . فهل من المعقول تطلبه مني سلطة حكومية تدعي إنها عراقية.هذه مسائل تحتاج لحوار هادئ مع الأشقاء الكورد, وتحكيم العقل والمنطق بعيداً عن الإعلام والتأجيج. نحن اليوم بأحوج حال للأستقرار لنتمكن من محاربة الفساد والأرهاب, ونخطو بخطوات ثابته الى بناء دولةالمؤسسات و الرخاء والأمن والبناء والديموقراطية فكفانا هدراً للزمن.

إن المراهقة السياسية و هواية ترحيل الأزمات وعدم حلها خطر كبير, ومُعَطِل لكل مبادرة لخير العراق والعراقيين.وسيفقد العراقيون الصبر يوماً. فهل يدرك القادة السياسيون وزعماء الكتل سوء ما يفعلون , فقد تتفجر هذه الأزمات بأي وقت, وبشكل يصعب السيطرة عليه.فهل مِن مُعتَبٍر.