سنة حلوة يا كذاب

 

كان يوم عيد ميلادي صاخبا، فقد انهالت عليّ التهاني والتبريكات من كل حدب وصوب، وكأنني المخلّص الذي بمولده ستخرج العملية السياسية في العراق من نفقها المظلم، أو كأنني الموعود المنتظر الذي سيأتي إلى الخائبات وهو يقود موكبا غفيرا من أبنائهن أو أزواجهن أو عشاقهن الذين ضاعوا في الحروب أو قتلوا غفلة في الحرائق والانفجارات والمفخخات، أو كأنني المستحيل الذي يُصلح ذات البين بين الأمين والمأمون، أو ذلك الذي سينتزع الصفحات السوداء في التاريخ: تهديم بابل أو سقوط بغداد بيد المغول.

من الظريف أن تكون الحفلة، حفلة عيد ميلادي، على نفقة وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، بل سمعت أن البرلمان العراقي قد خصص جزءا من الميزانية لعيد ميلادي القادم، والدليل على ذلك هو تخصيصه مبلغا لشراء دراجات هوائية، سيصعدها المهنئون في ماراثون عراقي يعكس الأطياف والمكونات، وهذا ما أنبأني به بعض اصدقائي الكذابين الذين حالفهم الحظ فصاروا قريبين من مركز القرار.

كانت الحفلة فرصة رائعة لتبادل الذكريات مع أوباما ونجاد وحافظ الأسد وصديقي المخلوع أمير قطر، ورغم أن اردوغان لم يحضر بسبب مشاكله مع التظاهرات في تركيا إلا أن قفشاته، وعوده الخرافية، وأكاذيبه، كانت حاضرة.

باختصار فإن جميع الكذابين والمحتالين ولاعبي سيرك السياسة كانوا حاضرين، ومعهم وصل محررو البيانات المغشوشة، مشعلو الحرائق الذين يكتفون بالمشاهدة وبلمّ الفوائد.

بعد الحفلة اختليت بنفسي قليلا، ثم فتحت التلفاز لمتابعة الأخبار، ففوجئت بوجه مذيعة كانت صديقتي في أيام المعارضة والعمل ضد نظام صدام. كانت منهمكة بقراءة تقرير عن العراق الجديد: الديمقراطية، الرفاهية، الاعمار، الحرية، تصفية الإرهاب، القضاء على البطالة، وتحويل العراق إلى دلمون: جنة السومريين، و..

كنتُ استمع إليها مندهشا من تطور قدراتها في الكذب، فقد كانت طيبة وبريئة كالعصفور، لكنها قطعت تأملاتي، فجأة، عندما رفعت رأسها ونظرت إلي بعينين غاضبتين: (سنة حلوة يا كذاب.. عيني فنجانو روح شوف شغلك، حتى استطيع أن أكمل شغلي!).