الفرجة العراقية |
المريض الإنكليزي فيلم مأخوذ عن رواية مايكل أونداتجي التي تحمل نفس العنوان، أنتج عام 1996 وفاز بجائزة الأوسكار وجوائز أخرى. تدور قصة الفيلم التي تجري أحداثها في أواخر أيام الحرب العالمية الثانية، حول شخص محترق ومشوه وفاقد الذاكرة، ومع توالي أحداث الفيلم نكتشف بأنه كاتب ومستكشف ورحالة شهير، وأن القوات الألمانية قطعت إبهاميه بسبب كتبه، وسنكتشف قبل نهاية الفيلم أن هذا المريض الإنكليزي ليس إنكليزيا. أما المريض العراقي، فهو مختلف في نواح كثيرة، فيلم أكشن، وتجسس، ورعب، وحروب، وتفجيرات، ومفخخات، ومافيات، وسرقات، ومقابر جماعية، أحداث مروعة لا تنتهي. الفيلم برمته يقع ضمن منطقة الكوميديا السوداء. وهو فيلم لا تبدو نهايته قريبة، العالم كله يشاهده، حتى مل من متابعته، أما أبطاله فهم متغيرون ومتقلبون، أخرجته في لقطاته الأولى – وهذه مفارقة عجيبة – الجاسوسة الإنكليزية طيبة الذكر الآنسة جيرتوود بيل، وقام ببطولته لأول مرة الملك فيصل الأول، وهو بالمناسبة ليس عراقيا، ثم تلاه نوري السعيد، ثم عبد الكريم قاسم وبعده الأخوان عارف، فصدام حسين. أخيرا آل دور البطولة إلى فريق جماعي مؤلف من هواة ومحترفين وكومبارس. كل هؤلاء الأبطال أجادوا أدوارهم بمهارة، وأن نهاياتهم كانت متشابهة لسوء الحظ، وإن اختلفت تفاصيلها ربما بقصد الحفاظ على التشويق. وإخلاصاً للحس الدرامي، فما إن يموت بطل، حتى تقدم أحداث الفيلم بطلاً أكثر موهبة من الذي سبقه، في تجسيد تفاصيل المرض والمريض، والنار والحريق. كلهم كانوا أبطالا محترقين، أو لديهم القدرة على إحراق أنفسهم بتفان لا نظير له. حتى أن حرائقهم اتسعت دلالالتها، من حرائق حقيقية زادها حطب ونار ودخان، إلى حرائق مجازية، جمرها غير مرئي، ولهبها يستعر في أعماق خفية. المشوق في أحداث الفصل الأخير من المريض العراقي، أن الحبكة تنكشف تماماً، فلم تعد هناك أصابع خفية وأصابع واضحة، ولم يترك السيناريو مجالاً للتأويل أو التقويل، الأحداث، واللغة تتعرى تماماً. الجاسوس يعرف الجميع أنه جاسوس، والعميل لا يختلف إثنان على عمالته، والسارق يسرق وهو يبتسم للجمهور المصاب بالذهول، والمزور يزور ويهنئه الجميع على تزويره. المخرج، والسيناريست، والمزيكاتي، والماكيير، والكومبارس، كلهم يلعبون أدوارهم وأدوار سواهم، جنباً إلى جنب بانسجام كامل، استطاعوا أن يكسروا الحدود ويقفزوا فوق الأسوار.. ولهذا لم يعد من المجدي أن نشخص بطلاً أو دورا بعينه، كلهم مرضى، الممثلون والفنيون والجمهور، ولم يعد أي معنى عندما نقول أن فلانا عميل وعلانا جاسوس. أو فاسد، ولص، وقاتل، وإرهابي. اختفت في هذا الفصل متعة الاكتشاف، وضاعت لذة الأسرار. ولم يعد هناك معنى لأي شيء. وإذا كان المريض الإنكليزي قد مات في نهاية الفيلم، وارتاح من عذاباته إلى الأبد. بعد أن اكتشفنا أنه ليس إنكليزيا، فإن العراقي بدأ يتشظى، وكل شظية بدأت تنشطر، حتى لم يعد ثمة مريض مرئي. ولا معروف، ولا يستطيع أحد أن يقرر إن كان موجوداً أو غير موجود. الأدهى أن أحداً لا يستطيع أن يقرر إن كان عراقياً أم ليس عراقياً. |