هل لنا الحق في لعن أولاد إبليس كغيرنا من الناس؟

 

بعد إجراء استطلاع شهري لوحظ تردي نسبة تأييد رئيس غربي(هولاند، أوباما، مركيل، …) نجح في الانتخابات في إطار دستور تلك البلاد، وبناء على استطلاعات الرأي، قرر وزير دفاعه الانقلاب عليه تأييدا “للشعب”، بمساعدة أحد المبشرين بالدنيا من قبل عصبة الأمم ومؤسسات فاقدة  المصداقية، وبمباركة رِبِيّيِن ورهبان وأئمة، وقد دعا له الأخير أكثر مما دعا له الأولان، بالنصر على شعبه، والتغلّب على أعدائه الذين لم يقبلوا الانقلاب، وأكّدوا على الشرعية.

وعندما نوقش، وزير الدفاع الذي أدى اليمين أمام الرئيس الذي جاء به، قال له الناس: كيف تلد الأََمَةُ ربّتاه، فقال: وهل العرب أحسن منّا؟ وقيل له لا يمكن أن تستمر في الحكم إلاّ بمساعدة خبير عربي في التحريض على الشعوب وقيادة عسكرية عربية لا تؤمن بإرادة الشعوب، فاختار مستشارين للاستمرار في الحكم، الأول رأس المحرضين على الشعوب لصالح قوى الاستكبار، والثاني جنرال عبقري، وبتمويل عربي للمناهضين للشرعية وإرادة الشعوب، فرفعت دعوى قضائية على الانقلابيين ومستشاريهم؟ فكيف تتصوّرون مصائرهم شعبيا وأخلاقيا وسياسيا؟

هذه حكاية خيالية، لا يمكن تصوّر وقوعها، فكيف بقوعها بالفعل، لأنّ عسكرهم ليسوا كعسكرنا، فليس عندهم السيسي وأشباهه، وليس عندهم من يتآمر مع الأجنبي أو العدو الاستراتيجي على الشرعية في بلاده كالبرادعي، وليس عندهم وعاظ سلاطين يعتبرون قائد الانقلاب محررا للشعب؟ وليس عندهم في المجتمعات الغربية دول تموّل الانقلاب على الشرعية، لأنّها تحترم شعوبها وإرادتهم السيّدة، لكن بلداننا التي فيها مثل نماذج المشار إليها من الخبراء والعسكر والمال، لا يستبعد أن تتآمر وتموّل ضد نفسها من حيث لا تحتسب، بل قد تموّل ضد إرادة الشعوب، فيصب التمويل في حساب أعدائه العقديين والاستراتيجيين، بالرغم من علمه بأنّ الحكم القائم على إرادة المجتمع أطهر وسط لإنتاج الاستقلال بكلّ معانيه.

أعود إلى أصل الحكاية الخيالية، لو وقع ما تخيّلناه، فإنّه سيلقى القبض على الانقلابيين، ويودعوا السجن هم ومستشاروهم، وما أظن مصائر من فعلوا بمصر الكنانة ما فعلوا ببعيدة عنها، إن شاء الله.

ومن تداعيات هذه المحاكمات الشعبية التي لم يُنْتَبَه إليها، أن طال الكره الساكتين على الانقلاب الواقع في فرنسا والولايات المتحدة وألمانيا، فنالت القوى المؤيّدة للانقلابات حظا وافرا من البغض في تلك البلدان.

يقول الشرقي للانقلابيين وفلاسفتهم، إذا كان لكم ضمير، أجيبوا بصراحة؟ لا تردد  فيها، إذ كان هذا هو مصير من أيّد أو نظّر أو موّل الانقلاب في الغرب، فهل سيكون مصير من فعل تلك الفعلات في الشرق مختلفا عنه؟

إنّ كلّ الشعوب ستلفظ من فكّر في الانقلاب أو نظّر له أو دبّره وتآمر على إحداثه، أوموّله…، لأنّ المجتمع الشرقي لا يتخلف في الآدمية عن الغربي، ولأنّ العصر هو عصر الانفتاح الإعلامي وحقوق الإنسان وذهاب الخوف إلى غير رجعة، لهذا فمن حق الشرقي وواجبه أن يقول بلا مواربة: إنّنا نبغض لله الانقلابيين، ويصدحون بلا تردد بحقيقة مُرّة للأسف الشديد: يسقط حكم العسكر، وسيعملون وفق آليات الذكاء الجماعي إلى تحويله من مجرّد شعار إلى فكرة، تتحوّل مع الوقت إلى مبدأ أساسي في التفكير في المسألة السياسية، لأنّه ما دخل العسكر السياسة إلا وأفسدوها، وليس في تاريخ الإنسانية تدخّل عسكري واحد في السياسة  كانت عواقبه حميدة، و بناء عليه فإنّ الشعوب الشرقية تَمُجُّ المنظرين(المخرّف هيكل الذي تحوّل إلى هيكل بالفعل)، والمرشدين والمسوّقين للانقلاب ” الديمقراطي(الانقلاب الديمقراطي، لا يختلف من حيث التناقض الصارخ عن قولنا سلفي شيوعي)(البرادعي، صبايحين، عمرو موسى، وحزب الظلام- النور-و…) ومن دبّر الاعلام الذي ما أُدخّل في المشهد السياسي المحلي أو الجهوي أو الدولي إلاّ وحرّّض على الكراهية والقتل(والإعلام المصري “الخاص” والرسمي في مصر تحريض صريح على القتل والتهويل من شأن الداعين للشرعية، فمن الطَلْبَنَة(الطالبان) إلى القَعْدَدَة، إلى الشيطنة، إلى محور الشر…)، أما المموّل فحظه لا يختلف عن حظوظ السابقين في البغض لله ثم للوطن، وخاصة دول الخليج التي “تحكم بالشريعة الإسلامية”، وفي الوقت نفسه كانت من أوائل المباركين للانقلابيين، وما أدري بأي شريعة يحكمون، وهم بتصرفاتهم فرحت إسرائيل واعتبرت ما وقع أهم نصر استراتيجي لها على الأمة الإسلامية، وأسعدت إيران “عدوهم الاستراتيجي،  وبشار الأسد، و…فهل الإسلام يقبل أن تصب جهودكم وأموالكم في حساب إسرائيل؟

لهذا لا تلوموا شعوب الشرق قاطبة إن كان نصيبكم من البغض لا يختلف عن نصيب إبليس وأكبر نباته الولايات المتحدة، وهذه حقيقة موضوعية لا ينكرها إلاّ مكابر.

ولأننا شعوب تريد أن تسترجع آدميتها، والحرية والدفاع عنها أعلى درجات الآدمية، ولعلّها رأس الآدمية مع الكرامة، فإنّ من حقّ الشرقي أن يعلّم أبناءه وأحفاده، بأن بذل المهج بالوسائل السلمية في الحراك الوطني لأجل دفع الانقلابات والتفكير فيها والدفاع عن الشرعية  أهم علامات استرجاع الآدمية والكرامة، ويقولون للممولين: أموالكم ليست منبعا للكرامة، بل هي مصدر مهانة وإذلال لمالكها الذي بذلها لغير ما جلعت له، ومهانة للذي قبلها رشوة للإجهاز على إرادة شعبه.

ويؤكّد الشرقي لنفسه وأبنائه وأحفاده والعالم بأنّ بذل المهج سلميا أولى للمجتمعات الحيّة من الهوان أو الذلة،  لهذا لا يتردد الشرقي بعد استرجاع الآدمية من أن يدفع بكلّ الوسائل السلمية في الحراك الوطني لأجل الحفاظ على آدميته التي أعادها الله له بعد الربيع العربي.

لهذا حُقَّ للشرقيين وخاصة العرب والمسلمين ، كسائر المجتمعات الحيّة، أن يلعنوا إبليس وبنته البكر(و م أ) وأبناءها وأحفادها، ومواليها من العرب والعجم ومموّليها، لأنّهم جميعا يصدرون عن تدابير إبليس لهذا فهم كما قال العلامة البشير الابراهيمي عن الاستعمار: إنّه رجس من عمل الشيطان.

وتأكيدا لوجوب اللعن(الدعوة بالطرد من رحمة الله)، تخيّل أنّ لبراليا نجح في انتخابات شفافة، فثار عليه إسلاميون، لا شكّ أنّ (و م أ) والدول الأوربية ومن ناصرهما من العرب والعجم سيقيمون(وقد فعلوا ويفعلون) الدنيا و لا يقعدونها لأجل هذا اللبرالي، أما إذا تعلّق الأمر بالانقلاب على إرادة الشعب الموافقة لاسترجاع الاستقلال الحقيقي ولو كان بطريقة تدريجية، فإنّ سكوتهم كسكوت أهل القبور هو المذهب المختار، مما يدلّ صراحة على نفاق متأتى من سكوت البعض في مقام وجوب الكلام الصريح في إدانة الانقلاب، كما فعلت(و م أ) ، وتنظير البعض الآخر لإلغاء إرادة الشعوب ، وتمويل جهة ثالثة لكلّ هذه الرعونات، ومباركة البعض الآخر باسم الإسلام(دين الحرية والتحرير) … كلّ ذلك نفاق صريح لا مجال لإنكاره.

وكلّ المواقف المشار إليها ملوثات خالصة للبيئة الفكرية والحضارية والسياسية، فالأول نافق عندما صرّح بأنّه مع الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، لكن إذا تعلّق الأمر بمشروع الإنسان الذي لا يرضون عليه، أي ليس مندرجا في الرؤية التي يريدونا للعالم، فليس مهمّا أن يقتل أو يشرّد أو تلغى إرادته، ولا يتراجع هؤلاء عن سياستهم إلاّ إذا كانت أغلبية الشعب ضد الانقلابيين، وفضلا عن ذلك فالولايات المتّحدة لا تؤمن بالتعددية السياسية إلاّ إذا كانت مندرجة في الرؤية الغربية، لأنّها وبالمختصر المفيد، لا تؤمن بالديمقراطية الحضارية، المنبع الأصيل للتعددية  السياسية الحقيقية، فـ(و م أ) تمارس استبدادا حضاريا ظاهرا لا تخطئه العين المجرّدة،  و لا يذهب بحقيقته تغليفه بديمقراطية سياسية، وهل التعدد داخل الأنموذج الحضاري واحد تعدد بالفعل، لهذا فالمنكر للديمقراطية الحضارية منكر للديمقراطية السياسية الحقيقية، لهذا فهم ينافقون بشكل جلي، لا يقبلون ولا يرافعون إلا عمّن كان مؤيّدا لأطروحاتهم مسوّقا لها، والنفاق هنا ظاهر لا يحتاج اكتشافه إلى ألمعية.

أما الثاني فنافق من جهة التنظير للحرية بالاستبداد، فهل يتوافق تأسيس الحرية على الجبر، انقلاب ديمقراطي، كقولنا سلفي مسيحي، أو سلفي بوذي؟ لأنّ هذا التصرف وفق أوضح مبدأ في العقل: “مبدأ عدم التناقض” وعند جميع العقلاء، لا يسوغ قبوله في أي شرع، ووفق أي عقل؟ ولا يمكن أن يكون عسكر العالم الثالث مدخلا للديمقراطية،  الديمقراطية مدخلها المجتمع، لا غيره.

فضلا عن هذا فإنّ العسكر ما دخلوا المشهد السياسي إلا  انتصارا للجهة الفاشلة سياسيا والتي تتحوّل بسبب فشلها إلى فاشية، لأنّ القوي سياسيا لا يستعمل وسائل الدولة لقهر خصومه السياسيين، فالنفاق في هذا المقام يستشف من الرغبة في الوصول إلى الحكم أو الاستحواذ عليه بغير إرادة شعبية ثم ندعي الديمقراطية، فهل من نفاق أجلى من هذا؟

والثالث نافق من جهة تمويله لحكم معطّل لإرادة شعبه مع تمويله لشعب آخر لأجل استرجاع حريته، والأدهى أن تتوافق إرادة هذه الجهات الممولة مع إرادات أعدائهم الاستراتيجيين(وفق تصريحاتهم )، فتوافقت إرادة السعودية والإمارات والكويت مع عدوها الاستراتيجي إيران، وعدوها العقدي إسرائيل، وتوافقت  إرادتهم مع إرادة بشار الأسد، الذي تعمل هذه الدول على تحريره شعبه منه، فهل من تناقض أصرخ من هذا؟

لهذا فكلّ النفاق المشار إليه، سواء كان في المواقف السياسية أو التنظيرية أو المالية، من أهم ملوّثات البيئة الفكرية والسياسية والحضارية، ولو غاب هؤلاء عن العالم أو غابت سياساتهم، لكان العالم أكثر أمنا واستقرارا، لأنّهم بسياساتهم مصدر بلاء العالم .

تخيّل عالما ليس فيه الولايات المتّحدة الأمريكية بسياستها القائمة على النفاق السياسي، لا شك أنّه سيكون أكثر استقرارا وأمنا و تضامنا وتعارفا وتعاونا، وتخيّل تلك الأنظار تعمل فيما ينفع المجتمعات، وتخيّل تلك الأموال يتصرّف فيها بوصفها أمانات  استؤمنوا عليها من وضعها الله بين أيديهم، ولكن كلّ ذلك لا يتم في ضمير العربي  والمسلم عموما بغير استبعاد (و م أ) من الضمير الجمعي للمستضعفين عموما كلّ المستضعفين، بصرف النظر عن أديانهم وألسنتهم وأوطانهم.

ولهذا حُقَّ للشرقي العمل مع شرفاء العالم على لعن إبليس وبنته البكر(و م أ) أي طردها من رحمة الله، والتي رأس تجلياتها أن تطرد من ضمائر المجتمعات الإنسانية، لأنّ(و م أ) التي تسوس العالم  بسياسة فيها كثير من النفاق أصبحت أكبر ملوّث  للبيئة المعنوية والمادية بكلّ مكوّناتها، وبغير وجودها سيكون العالم ـأطهر، والرؤية أوضح وإمكان توافق الشعوب وتعاونها أيسر، والسلم العالمي أقرب إلى النَيْل، ولو تراجعت الولايات المتحدة عن تلويث البيئات الفكرية والسياسية والحضارية لتراجعنا عن موقفنا منها، ولو تاب المنظرون لحمدنا لهم صنيعهم، ولو مال العسكر إلى أصل وظائفهم لكنّا على أيديهم شادين، ولو عاد أهلنا إلى توظيف أموال الأمة بوصفها أمانات سيحاسبون عليها، ببذلها فيما طلب الشارع الحكيم استعمالها فيه، لكنّا لهم من الشاكرين ولصنيعهم من الحامدين، ولهم في الظهر الغيب داعين.

 

عمار جيدل: أستاذ العقيدة والفكر الإسلامي بجامعة بن يوسف بن خدة- بالجزائر