لايوجد شئ اسمه عيد

 

بينما كنت ازاول عملي الصحفي مجريا لقاءات تلفزيونية مع نخبة من الفنانين والكتاب العراقيين , تتعلق بتقديم امنياتهم وتهانيهم بمناسبة العيد واذا باحدهم - وهو فنان لامع - يفاجئني قائلا : حبيبي ليش هو وين اكو عيد حتة اهني واتمنة . معتذرا مني عن رفضه لاجراء اللقاء , وقد فسرت قوله هذا في بادئ الامر على انه عدم قناعة واعتقاد من ذلك الفنان بهذه المناسبة التي تعتبر دينية , لكنها تحمل وجها اجتماعيا ايضا , ثم بعدها قلت في نفسي : كم متشائم هذا الرجل !! وقد شكرته من دون استفسار عن سر هذا القول , وانسحبت لمواصلة لقاءاتي مع البقية , الذين تعددت اوجه امنياتهم , فالبعض دعا الله ان يخلص الشعب من نيران المفخخات ورصاص الكواتم , بعدما خاب امله برجال الامن والسياسة , فيما تمنى اخرون على كل الفئات والطوائف والمكونات العراقية ان تترسخ وشائج الاخوة بينهم لتفويت الفرصة على الاشرار الذين لايريدون الخير لهذه البلاد . وفي هذه الاثناء عاد الي ذلك الفنان ,وكأنه ندم على خشونة قوله ورغبة منه لتبريره : كيف اهنئ والعراقيين في عزاء , فحصيلة ضحايا شهر رمضان ناهزت الالف ضحية , ودموع ذووهم لم تجف بعد , كيف سيحيون الاطفال الفقراء العيد ؟ كيف اهنئ والقتلة المأجورين الفارين من السجون طلقاء , وهم يعدون العدة لاغتيال فرحة العيد , كل هذا يحدث وسط صمت خبيث من السياسيين والعالم . كان هذا جل ما قاله ذلك الانسان قبل ان يكون فنان , الذي وجدته يحمل قلبا ابيضا ناصعا تسكن بين ثناياه اهات الطفولة المتألمة واوجاع الكبار المتفاقمة . يعتبر المؤرخون ان الحقبة الزمنية الحالية التي يشهدها العراق من اقسى واسوأ الحقب طوال تاريخه , فحتى ابان الغزو المغولي الهمجي للعراق لم يحصل قياسا بما يحدث اليوم , فالعراقيون يتعرضون الى حملة ابادة جماعية , تستهدف ارواحهم ونسيجهم الاجتماعي واعيادهم وافراحهم , اطراف كثر لاتريد لهذا الشعب ان يسعد ويرغد , فالتافهون في السلطة , السارقون المال والحلم -وبكل وقاحة- سيهنئون الشعب بقدوم العيد , ولا يدرون ان لا عيد بوجودهم , وان عيد العراقيين الحقيقي حينما يحل من دونهم . ان الفرج لقريب وان الفرح ليس ببعيد وامام العراقيين ايام ملؤها اعياد , فعندما تكسر اطواق الخوف ويخرج الشعب من زنزانات الظلام , ليزيح من اهدر الاموال وسفك الدماء , وقتها سيفخر الشيخ ويفرح الشاب وتمرح المراة ويلهو الطفل , الى ذلك الحين تبقون على خير ...