مهرجان الصماخات

 

كان يا ما كان في قديم الزمان ، و سالف العصر و الأوان ، مكبٌ للزبالة يعج بأصناف السكان المنشغلين في الكد و العمل اليومي لتحصيل لقمة العيش بشق الأنفس من نفايات المكب بعد أن مات و تهجر الملايين منهم لتعمد "عويسا" سائق حافلة الزبالة أم الأحمر و الأزرق رميهم بأصناف المقذوفات المهلكة ليل نهار ، و من ثم حرق المكان عليهم بدعوى منع تلوث البيئة ، و إن كان السبب الحقيقي لولع عويسا بالمحارق تلك هو تلذذه بتجربة و تصريف الأنواع الجديدة من كرات المفرقعات التي ينتجها . لذا ، فقد اعتاد سكان الزبالة تشييع قتلاهم زرافات و وحداناً فجر كل يوم ، لتختلط دموعهم بإفطارهم الصباحي . وحدها أرستقراطية الصماخات القمّامة المتسيدة على المكب – و هم الذبابة التقيّة و البرغوث الملغوث و القرادة الدَقّيّة و النملة الشقيّة – بقوا – مع حاشياتهم – بمنأى عن القتل المجاني اليومي بفضل انزوائهم بعيداً عن المقذوفات المُسلطة على الزبالة و محارقها في قلعة مُمَتْرَسة . كانت النملة البيضاء الزكية هي التي شيدت تلك القلعة ، لتغتصبها منها النملة الشقية ، التي جاءت من البعيد متخفية بقناع صديق ، و راحت تترصدها عن كثب ، إلى أن تحينت فرصة نومها ، لتفترسها و تهيمن على ذلك المكان ، و على بقية الصماخات أيضاً ، حسب قاعدة : الأمكنية لمغتصب المكان ، رغم أن الأرستقراطية المتسيدة كانت غريبة عن ذلك المكان كلياً .
و لخطب ود عويسا سائق حافلة الزبالة ، دأب أصحاب الصماخات : الذبابة التقيّة و البرغوث الملغوث و القرادة الدَقّيّة و النملة الشقيّة على تسميته بالرئيس ، و على الطاعة العمياء لرغباته و نزواته ، و على التسابق في تزويده بانتظام بشراب الطاقة لينتشي به ، و على إطرابه و إمتاعه بأجمل الألحان و الأغاني و الرقصات ، فيما هو يتشمم روائح أدخنة محارقه العفنة . 
و في فجر أحد الأيام ، فيما عويسا منتشٍ بالعفن كما لو كان أريج زهر الداوودي ، تحلقت حوله الصماخات تتدافع مع بعضها ، و بدأت النملة الشقيّة تغني له ، و هي تبزخ :

جَنَّنْي حُبَّك من چِنِت بعدك نغل زَعْطوط ؛
و زاد الحب من صرت كلاوچي مضبوط ؛
هَلهوله لريِّس الزبالة صاحب القبّوط ؛
هلهل هلهل هلهل هلهل :
كلللييييييييييييييييييييييش !
كلللوووووووووووش !
كلللاااااااااااش كلاش !

تلتها أغنية القرادة الدَقّيّة ، و هي ترقص الچوبيّة :
كُلِّحْنا بْشوش ، يا ريِّس ؛ 
نِسْبَح وِ نْفوج ، يا ريِّس ؛
و الدَفْس كويَّس ، يا ريِّس ؛
وَحْدَك بالساحة ، يا ريِّس .

بعدها انبرت الذبابة التقيّة بالغناء له ، و هي ترقص الهچع :
حَبيبي كيكه ، 
قُنْدَرْته فيكه ، 
يِلعب چِقْلُمْبه ، 
و يشرب سوْيكه .

أما البرغوث الملغوث ، فقد غنّى راقصاً الهيوه :
أحبَّك موت ، و لو إنت چَلِب مجَدّي ؛
آني عَلًيْ أسبِّط ، و أنتَ عَض خَدّي .

ثم سارعت النملة الشقيّة لإطراب سيّدها من جديد ، فغنّت و رقصت على الواحدة و النصف :
كَمْكِشْني ، كَمْكِشْني ؛
و اخنـگني ، ذوِّبني ؛
إنت أمير الحب ،
غيرك ما يسعدني .

ثم استبد الحماس و جنون الحب و الهيام بالنملة الشقيّة ، فعضت إبهام القدم اليسرى للرئيس ، الذي رفسها بقوة ، فسحق الصماخات الأربعة كلهن ، و عاد للتشمم .