انتهى مسلسل العراف الذي ظهر فيه عادل امام بشخصيات مختلفة مع مجموعة ابناءه من موارد اجتماعية مختلفة، في ادوار تمثيلية وجدتها في متابعة هذا المسلسل مجرد متعة المشاهدة ل" الزعيم" عادل امام في ادوار كوميدية فحسب، ومع تصاعد الاحداث في الحلقات الثلاث الاخيرة،اخذت هذا الادوار منحنين الاول"النصب السياسي" والصفقات المشبوهة لتبادل المناصب من دون ان يتغير اي شيء في شخصية النصاب واليات الاحتيال ولكن هذه المرة على الدولة والشعب ككل، ومرة اخرى لسرقة البنك المركزي، وثالثة حينما ضحك رجل الشرطة الذي اصر فيما سبق القبض على" النصاب" عندما شاهده وهو ينصب على مستقبل مصر في مشروع وهمي لتطوير صحراء شرم الشيخ . والسؤال عن مقاربة هذا النموذج الفريد للكوميديا السوداء في مراحل ما بعد ثورات الربيع العربي ، ومنها ما حصل في العراق منذ عام 2003، تطابقا مع تصريحات قيادات سياسية عراقية تصف الغزو الاميركي بكونه بداية اشتعال جذوة الربيع العربي في المنطقة ،لبيان حقيقة واقعية تناولها هذا المسلسل في حلقاته للمقارنة ما بين نظام مصر الشمولي بفساد رجال الاعمال الذين يستوردون طعام القطط والكلاب لاطعام الشعب المصري، ووقوا ضحية النصاب، وهو مكمن الكثير من عمليات النصب في مرحلة الحصار الاقتصادي التي تعرض نظام صدام حسين وانتحت شخصيات اقتصادية منها من فتح قنوات تلفازية ، واخرين اصبحوا قادة احزاب في المعارضة بعد ان سرق بنك في الاردن، وتمت تغطيته من اموال العراق فقط للحفاظ على علاقات المخابرات العراقية مع تلك الشخصية، وربما اصبح من المعروف ان قائدين كرديين احدهما في منصب رفيع في الحكومة الاتحادية واخر في منصب رفيع في اقليم كردستان ، كانوا يقبضون رواتبهما من صدام حسين والبالغة 5ملاين دينار شهريا لكل منهما حتى شهر اذار من عام 2003 ، وهذا ما كان يقبض من الكثير من المسميات الكبيرة اليوم منها ذلك الذي جاء مع عمه الجنرال الاميركي بوصفه المستشار المدني ويتزعم اليوم حزبا ينعت بالجمهوري !! ما لم يتناوله المسلسل في احداثه مرحلة ما بعد الترشيح للانتخابات ، ويبدو ان الدراما المصرية تناوله في برامج سياسية فكاهية يقدمها فنانون معروفين في المشهد المصري، ومقارنة هذه الاحداث مع المشهد العراقي طيلة السنوات العشر الماضية ، يؤكد بان اكثر من 500 مليار دولار قد ذهبت ادراج عواصف الفساد والعراك على المصالح الحزبية في سرقة ثروات البلد، الذي ادى بالنتيجة الى هدر اكثر من 1500 مليار دولار ، فيما لم تنجح وسائل الاعلام العراقية في تناولها لهذه السرقات وعمليات النصب المفضوحة التي تتحول الى صراع ارهابي بين من هم مع السارق والذين يقفون ضده وتحول البلد الى ساحة لتصفية الحسابات بين سراق الشعب وليس حكامه وان كانون قد وصلوا فعلا الى مقاعدهم بتلك الاصابع البنفسجية لناخبين من الشعب . مشكلة العراق مثل مشكلة مصر في ذلك المد الاسلاموي الفاضح للمساومات السياسية ، لكن واقع الصراع يختلف ما بين النموذجين ، كما يختلف مع النموذج الليبي والتونسي ، لان الكثير من قوة الشعب هذه البلدان يسدها الثالوث المرعب للفقر والجهل والمرض ، فانكفات خياراتهم على التصويت لابن العشيرة والمذهب وربما الحزب في مصلحة انية لا تبتعد عن ارنبة الانف في تحديد المصلحة الوطنية العامة ، التي لم تؤطر باي عقد اجتماعي يؤسس لبناء نظام الدولة الجديد ، في اي منها واكتفيت بردود الافعال على نظام سياسي قط في وحل الرفض الاجتماعي ، فاضحت العدالة الانتقالية انموذجا ليس لحل مشاكل الامس للمضي قدما نحو غد مشرق ، بل لمجرد خلق الظروف المؤأتية للسراق من اجل تنفيذ جرائمهم باسم الشعب . يضاف الى ذلك ان المداخلات الخارجية تؤكد بان ما يجري في اي من هذه البلدان ولعل العراق ابرزها واقدمها ، لمجرد ادارة البلد بنظرية الفوضى الخلاقة ، هذا المبدأ السياسي الذي ابتدعه المحافظون الجدد في الولايات المتحدة ، من اجل مصالح اسرائيل الكبري، وهل ثمة غير السراق والنصابين، افضل من يحقق هذه المصالح كما يذكرنا التاريخ الحديث"بشقاوات " بغداد والقاهرة ودمشق ومراجعة بسيطة لقصص نجيب محفوظ تؤكد ان عمليات النصب التي قام بها عادل امام في مسلسله الجديد ليست باكثر من حكايات من ذلك الزمن الاقدم ، وهي مجرد روايات تحاكي ما حصل ويحصل في عراق اليوم في مسلسلات الفساد، والسؤال الاكبر كيف يمكن لرجل الشرطة الامساك ب" نصابين"هم من يمتلكون السلطة عليه ؟؟ الاجابة واضحة في تلك الضحكات العالية التي اطلقها رجل الشرطة الذي سبق له القبض على النصاب في زمن النظام البائد !!!
|