العراق..و ما انتهى إليه العالم ..!!


يبدو العراق و معه إلى حد كبير العالم العربي و الإسلامي و كأنه يعيش في كوكب آخر بعيد عن العالم المعاصر و قضاياه و تحدياته...و العراق ضمن هذه الحالة العربية و الإسلامية العامة ( حالة خاصة) أكثر شذوذا و إمعانا في السلبية...يصف كثير من دارسي الحضارات و الباحثين في التاريخ الحقبة الراهنة التي يعيشها العالم بأنها من أسعد و انضج ما مر على البشرية عبر تاريخها الطويل من حيث توافق و تفاهم و تقارب أقطابها و مراكزها الكبرى..فلا حروب ولا صراعات بينما التنافس يدور بطريقة عقلانية حول محاور الإقتصاد و التكنولوجيا و المعرفة .

السباق العالمي المحموم يحتدم في هذه المضامير فيما تعيش أمم أخرى على ( الهامش) تتغنى بتاريخها و تنقسم حوله و تتصارع بسبب أحداثه الغابرة..هذه الحالة ( الوفاقية العقلانية) التي تجتاح العالم لم تأت من فراغ ..و لم تولد من العدم و إنما جاءت نتيجة نضج بشري و تراكم في الخبرة الإنسانية وصل إلى ( النهايات السعيدة)..فالعالم قد انتهى إلى نبذ التعصب و التشدد بكل صوره و أشكاله ..و توصل إلى رفض حاد لدفع الأثمان الباهظة للصراعات..و أدرك حاجة الأمم و الحضارات لبعضها البعض.

العالم انتهى إلى ( خلاصات مركزة) و إلى ( دروس ثمينة)..كان قد دفع ثمنها بحارا من الدماء..و جبالا من الثروات..و ضياعا لأمم و شعوب..و عقود طويلة من الحرمان و التضحيات..حتى انتهى إلى الحالة العقلانية الواقعية الراهنة...فلماذا لا نحصل على هذه الدروس بالمجان..؟؟ و لماذا لا نبدأ من حيث انتهى الآخرون ..؟؟ و علام نغض الطرف عن خلاصاتهم و حصائد تجاربهم المريرة..؟؟.

سادت القيم ( البراجماتية) في العالم و تعززت الواقعية و انتصرت المبادئ العملية على الخرافة ..و الايديولوجيات الجامدة..و القوالب النظرية الفاسدة..البعض في بلداننا عندما يتحدث عن البراجماتية أو يصف بعض الساسة بالبراجماتيين فكأنه يتحدث عن ( كفر بواح) أو ( سقوط اخلاقي شنيع ينبغي تجنبه) فيما البراجماتية غدت اليوم كفكر و ممارسة أحدى أهم دعائم النهوض الغربي و الكوني المعاصر..انها المنهج الذي يعلي من شأن الحقيقة المشاهدة..و الواقع الملموس.. و الاستخلاص السليم...و الآية الكريمة التي ترشدنا ( سنريهم آياتنا في الآفاق و في انفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق) ليست سوى افضل تلخيص للبراجماتية التي تقود إلى الآيمان و العقيدة الصالحة و ذلك عندما تتطابق الحقائق المشاهدة في الآفاق ..و في المجتمعات و الإنسان مع بديهيات و مقتضيات الإيمان و العقيدة.

و فيما تحدث هذه التطورات الكونية و يتعزز تقارب الحضارات و تترسخ الحالة الوفاقية المتصالحة في إرجاء العالم..يعصف ( فقدان المصداقية) بالعالم الإسلامي عصفا ..و تتضخم ( الظاهرة النفاقية) فيه.. و تكبر ( المساحات الرمادية) على إمتداد مساحته بأستمرار ..و ينشأ ( فصام نكد) بين عقيدة المسلمين و بين واقعهم و كل ذلك يجعل للمجتمعات المسلمة أمام تحد فكري و عقيدي غير مسبوق ..و تنكشف الساحة الإسلامية أمام هجمة فكرية إستثنائية و عاتية يحاول المسلمون درئها بوسائل دفاع بدائية و بالإصرار على الخطأ و رفض المراجعة من خلال التفكر و التدبر و الذي هو من أول فروض دينهم.

بات الدين ( شماعة) يعلق عليها الفاشلون في بلداتنا اخطائهم ..و خطاياهم ... و بات الفهم الخاطئ للدين و الممارسة المنحرفة له عوامل هدم في مجتمعاتنا ..صارت الصور المنحرفة و النماذج الشاذة و الممارسات المشوهة مادة يتاجر بها المشعوذون ...و المهرطقون ..و الدجاجلة ..لا بل أن الساسة أنفسهم صاروا يفتخرون بها و يتقربون إلى قلوب العامة بواسطتها حتى بتنا نشهد ( تنافسا في الجهل) و ( مباريات في الجهالة ) يقوم بها سياسيون و مثقفون بحثا عن الشعبية الرخيصة و ما دروا أن أكبر خطئية يرتكبها سياسي أو قائد هي عندما يرعى الجهل و الجهالة بين مواطنيه أملا في مكسب سياسي و رغبة في تعزيز سلطة .

لم يعد التدين عندنا ( زهدا في الدنيا) بل صار ملجأ نفسيا و مهربا ( لمن زهدت بهم الدنيا) ..اولئك المتعبون..المرهقون ..المحبطون..و الذين تلسع سياط الفقر و البطالة و الحرمان ظهورهم صاروا يلجأون إلى التدين المظهري و السطحي الممزوج بممارسات الجهالة هروبا من واقعهم ..و تعبيرا عن احباطهم ..و فرارا من دنيا حرمتهم من كل شيء إمتلكه الآنسان المتحضر المعاصر و أعظم ما حرمتهم منه هو الأمل بالمستقبل و حق الحلم فيه .

لنتسائل و بشجاعة ..هل الثقافة التي تقدم اليوم كغذاء لعامة الناس أو لمن يطلق عليهم وصف ( المتدينين ) قادرة أن تقود إلى نهوض حضاري ...أو حتى نهوض ( روحي)..؟؟

هل انتجت لنا هذه الثقافة في العراق و عموم العالم الإسلامي إنسانا متحضرا..مبدعا ..منتجا أم انتجت لنا جيوشا من الجهلة و المتعصبين و البلداء..؟؟

ما هي مخرجات هذه الثقافة..؟؟

هل صنعت لنا حكاما و قادة عظماء و صالحين ..أو مسؤولين نزيهيين ..أو علماء مخترعين ..أو مواطنين متعلمين..أو عمالا كادحين و منتجين أم خرجت لنا السراق و الكذابين و المتخلفين..؟؟

إذا اردت أن تحكم على سلامة ( المدخلات) فعليك أن تشاهد ( المخرجات ).. و بالتأكيد فأن غذاء الجماهير الثقافي اليوم في بلادنا و في طول العالم الإسلامي و عرضه لا يمكن أن يكون ( ثقافة إسلامية حقيقية و أصيلة ) و الدليل على ذلك نتائجها..و مفرزاتها.

هل نستمر في تجاهل ( ما انتهى إليه العالم) ..فتزهد بنا الحياة و نتنازل عن مفهوم ( الخلافة في الأرض) و هو مفهوم إسلامي أساسي و أصيل..؟؟ أم نرفع الراية البيضاء أمام الأمم الأخرى و نقر بهزيمتنا الحضارية و عجزنا الفكري و الثقافي ...؟؟

نتيجة تبدو بائسة ..حزينة ..ترفضها النفس و تأباها المرؤة.

إذن لابد من إمعان النظر فيما انتهى له العالم..و لابد من رد الاعتبار للحاضر و المستقبل بعد أن أطاح التغني بالتاريخ و الإرتهان له بهما معا.

لابد من ( العقلانية) ..و ( الواقعية) و ( العلمية) ..و ( التجريبية ) فهي من فروض ديننا قبل أن تكون اصولا في البراجماتية..و هي ألف باء العالم المعاصر المتحضر ..كما أنها المفتاح لنهوض أي أمة أو مجتمع.

الأ هل بلغنا..اللهم أشهد..