الأيام الدامية لن تنتهي، بل تزداد ضراوة وشدة وقسوة، ومعها تزداد أعداد الأرامل والأيتام والثكالى، ومازالت أعداد الضحايا من جانب واحد، وشبح الموت يدور في فلك الوسط والجنوب العراقيّ، حتى عادت مُدُننا تسكنها أرواح الموتى التي لم تشبع من خيرات وطنها، ولم تتمتع بلذة عوائلها وأبنائها، وصرنا نشمُّ رائحة الموت أينما أدرنا وجوهنا، ونخاف من خيالنا لعله يكون مُفخّخاً.. صار كلُّ تجمُّع مُرعِباً حتى العزاء أصبح بدون هيبة، فيتخطفه الموت؛ لكثرة مُرتاديه، فلا يستطيع أهله أن يحموه من أيِّ مأزوم بموت جماعيّ..
هذا كلّه في وطني، وبالأدق في بلدتي، وعلى أبناء جلدتي في مُدُن كُتِب عليها الخراب بحاكم سُنّياً كان أم شيعياً بأيدٍ أجنبية أو محلية.. المهم أنَّ الموت نصيبنا ونصيب أهلنا لا غير.. لعلي أندب الحظ، وأنعى نفسي؛ لأننا اخترنا مَن يحمينا، ويمثلنا، وخذلونا، بل خانوا الأمانة، وجعلونا آخر ما يُفكّرون بخدمته وحمايته..
حكومة تكذب ليل نهار، وتفلسف الخراب بأنه أزمة عابرة، والموت على أنه حقد خاص على حاكم عادل.. حاكم لا يهمُّه إذا قتل الإرهاب مائة أو ألفاً أو مُجتمَعاً كاملاً، ولا يهمُّه إذا كان الملايين من الأيتام تخنقهم عبرة اليتم، وحسرتهم على أب يحتضنهم بصبيحة العيد، ويُلبسهم ثوباً جديداً، بل يتركون لمُزايدات السياسيين، وحملاتهم الانتخابية بالتصدُّق عليهم.
لقد طفح الكيل وزاد عن حدِّه، وأصبح الأمر لا يحتمل السكوت عن حكومة امتهنت الكذب وعنوانها الدين، وأصبحت تستهين بالكبير قبل الصغير، وبالمرجع قبل المواطن البسيط، ولا يُوجَد من يقف أمامها، فكلُّ مُعارِض لها يُوصَم بلقب قالبه جاهز، بين البعثيّ، والإرهابيّ، والفاسد، والمتعاون مع دور الجوار ووووو.. كلّها تُهَم مُعَدَّة سلفاً حتى تضيق الدائرة على الحزب الحاكم، ولم يبقَ من الوطنيين والشرفاء بنظرهم إلا بعدد أصابع اليد.
لعلَّ علة الشك، وعدم الثقة التي أصابت رئيس الحكومة؛ لخوفه من المنافسة، وذهاب الكرسي ليتكشف بعدها حجم الفساد، والخراب، والسرقات، والخيانات. لا أخفي سِرّاً.. أنا مُتشائِم من أيِّ تغيير قريب يقوم به الشعب بتظاهر أو اعتصام سلميٍّ، لأننا شعب مُسيَّر، لا مُخيَّر، والشواهد كثيرة، بل حتى ما يُمكِن أن نتفق عليه، ونُحشِّد من أجل التظاهر عليه أمر سخيف، وبعيد عن أحلام كلِّ حُرٍّ، بل من الأمور التي تُضحِك الثكالى، اليوم جُلُّ انشغال الشباب، والسياسيين المعارضين، ومواقع التواصل، والصُحُف، والقنوات الفضائية هو التظاهر ضدَّ تقاعد البرلمانيين والمسؤولي ، ولعلنا لو خرجنا لقلة تقاعد البسطاء من الموظفين والعمال لكان أجدى وأكثر وقعاً وتأثيراً شعبياً وعالمياً، ولكننا -كما قلت سابقاً- شعب مُسيَّر حتى بمطالبنا؛ لأنَّ شرارة المطالبة بإلغاء تقاعد النواب لارتفاع مبالغها في الموازنات القادمة بدأت من الحكومة، وهذا ليس مدحاً، ولا حرصاً من الحكومة، بل إنها بالغت، وساعدت بتغذية هذا الأمر، وفتحت قنوات إعلامية في كلِّ مكان حتى احتشد لها الناس؛ كي تُبعِد العين عنها، وعن مصائبها، وعن فشلها في جميع المجالات الأمنية منها، والاقتصادية، والخدمية، وكلما وجدت صوتاً أو قناة تذكر مشاكل الحكومة ورئيسها غذت أكثر، وقدّمت مشاكل البرلمان وكأنَّ البرلمان يُمسِك الوزارات الأمنية والخدمية، أو قد بخل بمبالغ الموازنة الخيالية، أو المصادقة على الدرجات الوظيفية التي تكدّست بيد الوزراء؛ ليوُزّعوها هبات لكلِّ مََن يوالي الحكومة وأحزابهم.
أنا لا أكتب هنا مُعترِضاً على المظاهرات القادمة، بل أنا عضو في منظمة هي الراعية لهذه التظاهرة، ولكني -شخصياً- لن أجازف بنفسي؛ كي أخرج بصورة الناقم والحاسد لمن يقبض تقاعداً بهذا الحجم، ولكن الأجدى بنا أن يكون هذا المطلب واحداً من مطالب أخرى تسبقه أهمُّ، وأكثر نفعاً، بل ما يسبقها يُمكِن بعدها أن يأتي مطلب إلغاء التقاعد يسيراً وتلقائياً.
يجب أن نخرج أولاً: لاستقالة الحكومة، وتشكيل حكومة مُؤقتة تُحضِّر لانتخابات جديدة، وهذا أمر يسير، وليس بالصعب كما شاهدنا تجربة مصر.
ثانياً: حجز رئيس الحكومة ونوابه، وجميع الوزراء، ومُحاسَبتهم على كلِّ قطرة دم عراقية ذهبت غدراً وظلماً.
ثالثا: فتح جميع ملفات الفساد، والسرقات، وإعادة احتساب مُمتلكات المسؤولين، ومقارنتها برواتبهم التي تسلّموها؛ لإعادة حقوق الشعب.
رابعاً: تشكيل لجنة لصياغة جديدة للدستور، ونظام داخليٍّ للحكومة، وتوزيع المسؤوليات على الرئاسات.
خامساً: إجراء تعداد سكانيّ، وإجراء استفتاء بنظام الحكم الذي يُريده أغلب الشعب. ولعل هناك نقاطاً أخرى كثيرة، ولكنَّي أجد هذه النقاط أهمَّ بكثير من الخروج فقط على إلغاء تقاعد النواب، ونحن نموت يومياً، وتُخدِّرنا الحكومة بأكاذيب لا تنتهي، بل يعلو صوت أبواقها دون حياء باتهام البرلمان وجهات أخرى بالخراب، وإضعاف الحكومة، فحكومة لا تجرؤ على محاسبة وزير، ومعرفة موازنات وزاراتها أين تُصرَف، ومليارات تُهدَر دون أثر على الأرض، وبلا نفع للبلد، فلو أخذنا –مثلاً- وزارة الخارجية فيها العشرات من السفارات، والقنصليات عبارة عن وظائف بدرجات عالية جداً، ورواتب خيالية لأبناء المسؤولين، وإخوانهم، وعوائلهم لا أكثر، ولم أسمع يوماً، ولم أجد أحداً قد انتفع من سفارة من سفاراتنا، بل إنَّ أغلب السفارات والقنصليات تعمل ضدَّ البلد، وتتجسَّس على الحكومة والوطن، وتخون شرفها، وتُشوِّه صورة العراق، فنائب سفير يُصرِّح ضدَّ أكبر طائفة تصريحات مُشينة، وعدائية، وآخر يبيع بطاقات دعوة حفل زفاف أمير بريطانيا المُوجَّهة للسفارة بالمجان، وآخر يُزوِّر جوازات سفر لأناس ليسوا عراقيين لتهريبهم، وآخر يُهرِّب الآثار بجوازه الدبلوماسيّ، وآخر يعمل سمساراً للمسؤولين لغسيل أموالهم، وإعداد صفقات فاسدة ووووو، بل أقسم.. لا يُوجَد مُمثل للعراق في الخارج قلبه على العراق، أو يمثل البلد بشرف، أو ينتفع منه عراقيّ واحد.
أطلت كثيراً، وأعلنها: أنا لن أخرج للتظاهر بدون هذه الشروط، وبدون إعلاء الصوت؛ لإسقاط الحكومة الفاسدة المُجرِمة، ومُحاسَبة كلِّ فرد فيها.
|