ازمة نظام حكم يا دولة الرئيس!

 

 

كشف الحوار الذي بث يوم 23 تموز2013 على قناة العراق الفضائية بين السيد رئيس الوزراء و خمس شخصيات مختصة بالشؤون السياسية والاقتصادية والثقافية، عن عمق الازمة التي تعصف بالعراق، وتداعياتها في جميع مفاصل الدولة، وانعكاساتها على حياة المواطن ومعيشته. صحيح ان لا جديد في المعطيات التي جرى تناولها، لكن سياقها جاء هذه المرة على لسان اكبر شخصية تنفيذية في العراق، فرئاسة مجلس الوزارء مسؤولة بشكل مباشر عن التخطيط والتنفيذ والإشراف والمتابعة، وتحت تصرفها ميزانية كبيرة، وموارد بشريه وإمكانيات واسعة. 

 

انطباعات واستنتاجات 

 

خرج المشاهد الذي تابع الحوار بأربعة استنتاجات رئيسية يمكن ايجازها على النحو التالي:-

 

اولا:- فشل اجهزة الدولة ومؤسساتها، التشريعية والتنفيذية ومنها الأمنية.

 

ثانيا:- تعزيز حالة الإحباط.

 

ثالثا:- ضياع الافق للخروج من الازمة.

 

رابعا:- ضعف الارادة السياسية.

 

حيث الاعتراف الصريح بفشل عدد من الوزارت منها التجارة والنفط والكهرباء، والتوقف عند مسؤولية نواب رئيس الوزارء والقاء اللوم عليهم جراء تلكئهم في ادارة ملفات الطاقة والخدمات والاقتصاد والتلويح بعدم قبوله استقالة أحد منهم، مقابل اقالة من تدور حوله شبهات فساد او عدم كفاءة. فيما لم يسم الطرف المسؤول عن الملف الأمني ومدى تحمله مسؤولية التدهور الذي يشهده الوضع. والاعتراف بفشل حكومة "الشراكة الوطنية"، حكومة المحاصصة الطائفية والاثنية، بمعناها الدقيق، التي لا يمكن لها انتاج حكومة فعالة. وازمة العلاقة بين اطراف الحكم، ولم يتم استثناء قوى التحالف الوطني ذاته.

 

لا جديد في المعطيات التي ذكرت في الحوار، ففي جانب الخدمات لازالت الذاكرة تحمل الصور المؤلمة لفيضانات عدد من احياء العاصمة بغداد وشوارعها حال سقوط زخات مطر في نهاية العام الماضي، ما كشف الواقع المزري للخدمات وترديها. 

 

اما الكهرباء وعدم توفرها فها هي المظاهرات اليومية المتواصلة في محافظات الجنوب التي تعيش حرمانات، كغيرها من محافظات العراق، جراء نقص الخدمات وفي مقدمتها الكهرباء والماء الصالح لشرب. لذا لم يحمل الخطاب في هذا الجانب أي وعد لحل قريب لمعاناة ابناء هذه المحافظات التي تعد المصدر الرئيس لإنتاج النفط الذي يشكل المصدر الاساسي لميزانية العراق وثراء المتنفذين ونهب الجشعين والفاسدين.

 

لا يحتاج المواطن من يذكره بفشل وزارة التجارة بتأمين البطاقة التموينة، فاصحاب الدخل المحدود والمهمشون الذين يعيشون تحت مستوى خط الفقر، الذين تشكل مفردات البطاقة التموينة المصدر الرئيسي لتغذيتهم، يعيشون في بؤس لا يوصف.

 

امام الملف الامني، ومن خلال المتابعة للعمليات الإرهابية التي اقدمت قوى الارهاب على تنفيذها ببشاعة، اتضح ان هناك تغير في استراتيجيتها كما يبدو فالى جانب استهدافها المستمر للمدنيين، دون رادع، وكأن الساحة اصبحت خالية لهم لممارسة افعالهم الشنيعة، فانها اصبحت تخطط لتنفيذ عمليات نوعية، متعددة الاهداف متزامنة التوقيت، عبر تخطيط شديد المركزية، تتوفر له كل مستلزمات العمل العسكري، من قيادة مركزية، وقدرة على المناورة، وتوظيف الموارد البشرية، وتنوع الاسلحة، واستخبارات ومعلومات دقيقية، وقدرة على رسم الاهداف والاستطلاع، الى جانب القوة المعنوية الكبيرة التي تتمتع بها عناصر الارهاب. وجاءت عملية اقتحام واطلاق سراح سجناء سجني ابو غريب والتاجي، كمثال على التحول النوعي في العمل العسكري الذي يتبعه الارهابيون، ويستهدفون به من خلال استراتيجيتهم الجديدة، ليس تقويض اجهزة الدولة وشل نشاطها، إنما هي تمرين عملي وبالذخيرة الحية لعمليات أخطر ، هدفها الرئيس السيطرة على الدولة، وياتي خبر توحد فصائل الارهاب هذه الايام ، ليؤكد كل ذلك.

 

انما محاولات الوثوب الى السلطة والاستحواذ عليها، وهذا اخر ما يمكن ان يواجه العملية السياسية. في وقت اتسعت ظاهر التحلل و" الفضائيين" وضعف المعنويات، وانتشار الفساد، وتعمق الطائفية، ونقص التدريب، وضعف الخبرات وعدم الاعتماد على القيادات الميدانية الوطنية النزيهة والكفوءه سيما من القوى التي ناهضت النظام الدكتاتوري السابق وامتلكت تجربة في العمل العسكري والميداني. وترافق ذلك مع اعلان نشاط عدد غير قليل من المليشيات المسلحة، في تحد واضح للدولة، وتأكيد على ضعفها وعدم قدرتها على ضبط الوضع.

 

ليس هناك من حاجة الى استعراض قوة مؤسسة الفساد والتي ضربت اسس الدولة، وتمترست في مفاصلها، واشاعت قيم التهتك في المجتمع.

 

ضمن هذه الاجواء يصبح الحديث عن تنوع اقتصاديات العراق حديث غير واقعي، كما ان البيئة التي يعشها العراق هي بيئة طاردة للاستثمار، ولا يتسع المجال هنا للحديث عن انسداد افق الاعمار والبناء والتنمية، وتدهور اداء مؤسسات الدولة الثقافية، يكفي الاشارة الى ما تم الحديث اليه من قبل المثقفين انفسهم حول الهدر والفساد الذي رافق فعاية بغداد عاصمة الثقافة.

 

كل ذلك يترافق مع تعطيل دور المواطن الذي يعيش حالة اغتراب عن الدولة، لان علاقة المواطن بالدولة تبنى على اساس منظومة الحقوق والواجبات، فحين يضيق المجال في مشاركته السياسية، ولا يتمتع بالضمانات الاجتماعية والصحية، تجده لا يكتر بالواجبات. ويكون في النهايه مساهما سلبيا، ينتابه الشعور الاغتراب عن الدولة ومؤسساتها، ويشعر بالاحباط وعدم الجدوى.

 

السبب الرئيسي للازمة والبديل الممكن:

 

لم يتم التطرق في هذا اللقاء الى السبب الرئيس للازمة، لا من بعيد ولا من قريب. فهي ازمة نظام الحكم الذي بني على اساس المحاصصة الطائفية والاثنية، وعدم الاعتراف بهذا السبب، لا يلغي تأثيره الخطير على مجمل الاوضاع. بل ان تحديد ذلك هو اول نقطة نحو اخراج العراق من هذا الدهليز الخطير الذي ادخلته المحاصصة فيه، اذ لا مخرج للازمة ضمن الحلول التي يطرحها المتنفذون، فجلها يعيد انتاج الازمة ذاتها. الحل هو اجراء اصلاح جذري في اسس العملية السياسية، واعادة بنائها على اساس المواطنة وقيمها وليس على اساس المحاصصة، التي انتجت هذه النظام المأزوم الذي يبدد كل الثروات ويهدد الامن ويعرقل الإصلاح ويضيّع الحقوق، ويدفع بالعراق الى المجهول. وها هو الوضع ينحدر الى حافات خطيرة. 

 

المخرج الدستوري الممكن 

 

ضيع المتنفذون فرصا كثيرة لوقف التدهور، نتيجة صراعهم على السلطة والمال والنفوذ، بينما كان يمكن للصراع ان يدار على شكل ومحتوى الدولة وبطريقة ديمقراطية يشرك فيها المواطنون بشكل فعال، وان تتنافس القوى على اساس برامج وتشريعات ديمقراطية وبناء وتنمية وخدمات، وليس على اساس الانتماءات الطائفية والاثنية والمناطقية. وكان يمكن لهم ان يستجيبوا للمبادرات التي طرحت من قبل القوى المدنية الديمقراطية، منها عقد مؤتمر وطني لمناقشة الازمة والخروج منها، لكن تم تسويف هذه الفكرة التي لو قدر لها ان تنفذ لما وصلت الاوضاع الى ما وصلت إليه، مع ذلك لازال هذا الحل يحتفظ بحيويته، كما هو امر الانتخابات المبكرة والتي تم النظر لها بقصور في الفترة الأولى ثم اصبحت مادة للمزايدات في الفترات اللاحقة.

 

ان هذه الافكار التي طرحت بهدف حل الأزمة، انما هي حلول دستورية وممكنة، اما الافكار التي يتم تمريرها هذه الايام كبالونات اختيار منها تشكيل حكومة طوارئ او اعلان حالة طوارئ وإيقاف العمل بالدستور فأنها افكار خطيرة، وتمثل انقلابا كاملا، وارتدادا عن الخطوات الصحيحة والمعدودة التي خطاها بلدنا نحو الحريات والمشاركة ألسياسية، ثم اين هي الاوضاع الطبيعية كي يفرض على شعبنا حالة طوارئ اخرى غير هذه الحالة التي نعيشها، والتي تشكل السمة البارزة في حياتنا اليومية. 

 

بالتأكيد ان ما تقدم من حلول سواء الحول الدستورية التي طرحتها القوى والشخصيات ذات الافق الواسع، والتي تنطلق من حرص على العراق ومستقبل شعبه، والافكار غير الدستورية كما مر ذكره، انما طرحت لمعالجة الازمة التي يعترف الجميع بوجودها، ولان الاوضاع اصبحت خطيرة ولا يمكن ان تستمر ادرتها على وفق الطريقة السابقة، لذا ارى ومن اجل وقف الانحدار، الاسراع بتشكيل حكومة انتقالية.

 

1- عناصرها من أصحاب القرار، يتسع المجال فيها واسعا لتمثيل القوى المدنية الديمقراطية والكفاءات الوطنية والمهنية.

 

2- مهمتها الرئيسية: تحويل وتغيير اتجاه العملية السياسية من أساسها الطائفي الذي ثبت فشله، إلى بناءه على اس المواطنة.

 

3- مهماتها العاجلة: التصدي بوجه قوى الشر والإرهاب، عبر الارادة الوطنية والشعبية. وتوفير الخدمات الطارئة، تأمين اوسع مشاركة للمواطنين في الانتخابات، وتوفير مستلزمات الانتخابات النزيهة بتقديم مشاريع: قانون الأحزاب، و قانون انتخابات عادل ومنصف، على وفق الدائرة الانتخابية والطريقة النسبية، واعتماد طريقة سانت ليغو لاحتساب الأصوات وخفض سن الترشيح الى الخامسة والعشرين. وبما ان الفترة لا تسمح باجراء احصاء سكاني، يمكن فتح سجل الناخبين بوقت مبكر واعداده بدقة كي يضمن صوتا واحدا لناخب واحد.

 

4- مدتها: لغاية الاستحقاق الانتخابي في بداية نيسان 2014.

 

واذ اركز على المهمة الامنية فهذا مفهوم نتيجة تمادي قوى الشر والإرهاب في تنفيذ خططها الإجرامية والتي شكلت العمليات النوعية الاخيرة تحديا كبيرا للاستقرار في العراق. والتي لا يمكن مواجهتها الا بالإرادة الوطنية والشعبية، اما المهمة الاخرى وهي التحضير لإجراء انتخابات نزيهة تفسح المجال لدخول قوى جديدة، تكون معادلا قويا لخلق توازن آخر يهدف لبناء الدولة المدنية الديمقراطية.

 

ان فشل العملية السياسية على اساس الطائفية السياسية، وضياع الأفق وتصاعد مشاعر الاحباط بسببا اداء الحكومة، والرفض الشعبي له والمتمثل بأشكال عديدة، من النشاطات السلمية والدستورية، بينها الحملات المتنوعة، والاعتصامات، ومزاج الرفض وعدم الرضا والدعوات للتغيير، هي وسائل شرعية بامكانها لو اتسعت ورافقها نشاط للتيار الديمقراطي والقوى والشخصيات المدنية الديمقراطية، والتعاون والتنسيق في اوسع اطار ممكن للعمل المشترك، ان يسهم كل ذلك في احداث التغيير باتجاه بناء الدولة المدنية الديمقراطية.. دولة المواطنة والعدالة الاجتماعية.

 

السفينة في بحر متلاطم، تهزها العواصف من كل صوب، الثغرات كثرت، الثقوب اتسعت، ويهددها الغرق، بمن فيها، والقبطان لا يقوى على ادارة الدفة! دور القوى المدنية الديمقراطية وتلاحمها مع الارادة الشعبية، هو المرتجى والمؤمل، وهو الذي يأخذها الى شاطيء الأمان، انه الامتحان الكبير.