شيعة حكومة أم حكومة شيعة؟!

 

 

قد تتغير بعض المفاهيم لدى المتلقي الناضج وتتحسن افكاره بسبب بيان قصور الافكار السابقة التي كانت مترسبة في ذاكرته، وهذا ليس عيبا بل هو صحوة وانفتاحا فكريا يدل على ضرب مفهوم التعصب والجهل والتزمت لدى حامل الفكر الجديد.
الا ان هذا الامر لا يخلو في الوقت نفسه من السماح بمرور الشوائب الفكرية وتاثيراتها على المتلقي الساذج بداع الانفتاح او ترميم الافكار المنخورة الى غيرها من المبررات.
وكلا الامرين يحتاجان الى الاعتماد على اسس وثوابت صحيحة يمكن من خلالها تاسيس بناء المفاهيم والافكار والرؤى الجديدة.
ومن هذه المقدمة البسيطة المتواضعة، يمكن التدقيق بما جرى ويجري في العراق الجريح، وما رافقه من احداث وتبعات تلك الاحداث، وما ترتب عليها من اثار لم تكن في ادبيات وثقافة الفرد العراقي على الاطلاق.
فمثلا مفهوم الاستعمار كان سلبيا بكل اشكاله واصنافه، والعراق بالتحديد، كان مضربا للامثال في صراعه ومواجهته لتلك القوى الاستعمارية طيلة سنينه السابقة، الا ان الاستعمار بلباسه العاري المكشوف اصبح سترا لتغطية عورات البعض، الذي راى فيه المنقذ والمخلص والمنجي من الظالم، متناسيا ان الاستعمار وعلى راسه امريكا هم من نصبوا الدكتاتور في العراق، وهم من دعموه في قتاله مع دول الجوار، وهم من ثبتوه بعد طرده من الكويت، وهم من قمعوا انتفاضة الشعب في الـعام ١٩٩١ بسماحهم للدكتاتور بقصف المنتفضين.
لذا وبعد كل هذه الحقائق الواقعية يخرج علينا احدهم ليغير الحقائق ويستغفل الاخرين ويقول ان الاستعمار حررنا من الظالم، ويثبت ذلك بطريقته الملتوية وفكره المخادع.
والمثال الاخر الذي وددت الاشارة اليه في هذا الموضوع هو ما يمكن تسميته بالتزلف للطائفة، اذ ان الشعب العراقي ومذ عرف لم يكن في مفهومه او متبناه اي نظرة ضيقة وهزيلة كما هي اليوم، فأبناؤه مسالمون متعايشون فيما بينهم لا يسال احدهم الاخر سوالا ساذجا عنصريا كما هو اليوم عن الطائفة، وهذا كما هو واضح فكر دخيل واثار واضحة وصريحة قدمت مع قدوم الاستعمار، والتي تستمد في انتشارها من شعاره الشهير
(فَرّق تَسُد).
الا ان تغذية هذا الشعار وانزاله الى الشارع بشكل عملي لا يكون الا من خلال ما نستطيع تسميته بالاذرع الساذجة والاذرع الرخيصة، فالاذرع الساذجة، هي شبيهة بالببغاء، اذ ما ان تسمع كلمة الا ونقلتها كما هي، فتكون الاداة الاولى لنشر هذه الثقافة القاتلة.
اما الاذرع الرخيصة، فهي التي تعمل لصالح اجندات خارجية كل حسب الجهة التي ينتمي لها، وهذه الاذرع تارة تكون عسكرية وتارة اعلامية واخرى تعبوية وهكذا، وتعمل وفقا لما رسمته لها الجهة المتبنية لهذا المشروع.
ولعل الغاية الكبرى والرئيسية من التشجيع على التزلف والانحياز للطائفة هو ابعاد فكرة الانتماء للوطن في مفهوم المواطن، وجعل نصف عقله يعمل وتعطيل نصفه الاخر.
اما المثال الثالث والاخير في هذه المقالة، فهو يخص المرجعية والحكومة، فالمجتمع العراقي الشيعي تحديدا، الذي عرف عنه باحترامه وطاعته لهذا العنوان وهذا الصرح التاريخي الشامخ، لم يبخل قيد انملة ولا طرفة عين من الدفاع والوقوف بوجه كل جهة تريد النيل من سمعة وتاريخ ومبدا هذا العنوان، ولست هنا بصدد الحديث عن مصاديق هذا العنوان ومسمياته، بقدر الوقوف عند قمة نفس العنوان وهو المرجعية، وما لفت الانتباه في هذه السنين الاخيرة ان المرجعية اصبحت الشماعة فقط لحمل وزر وتبعات اخطاء الحكومات المتوالية التي حكمت عراق ما بعد الاحتلال، حتى وصل الحال بالمواطن الى ان يقع في شبهة وخطا قاتلين، وان ينظر الى الحكومات على انها هي الممثل للطائفة والدين مع كل ما ترتكبه الحكومات من اخطاء وهفوات، وهذا الخطا الفادح ادى بالنتيجة الى ان تظهر وتطفوا اصواتا بين الحين والحين تدافع عن الحكومة وتنتقد المرجعيات ما ان تقف المرجعيات بالضد من تصرفات الحكومة الخاطئة المفضوحة، انطلاقا من تكليفها وواجبها الشرعي في النصح والتقويم.
فعلى الجميع ان يعي جيدا الى ان الحكومات في كل العالم وليس في العراق فقط، هي موسسات تنفيذية وظيفتها تقديم الخدمات للمواطن وحمايته وتوفير مستلزمات عيشه، من دون مِنّية منها او فضل، اما اخطاؤها وسلبياتها فهي تقع على عاتقها وحدها لا عاتق دينها وطائفتها المنتمية لهما، فما كانت الحكومات يوما ما ممثلة لعناوينها الدينية او المذهبية او العرقية، الا ان الحكام وعلى مر العصور اتخذوا من هذا الشعار غطاءا للتغطية على سلبياتهم وهفواتهم، بغية السعي منهم للحفاظ على مناصبهم ومواقعهم اطول فترة ممكنة.