الهند. العنف. غاندي |
من المعركة التي دحرت فيها الهند اعمال العنف والجريمة والطائفية عبرت الى الهند الجديدة التي نتابع صيرورتها دولة عظمى. الهند، لمن يعيد قراءة ما حدث لها عشية اعلان الاستقلال، كانت تتخبط في تلك النقطة الحساسة والمخيفة. والهند، اذا ما تأملنا حالها آنذاك، كانت تشبه حالنا الآن من وجوه كثيرة، سوى ان هناك زعيم ملهم يأكل من معزة ترافقه اينما حل، ولم يكن ليحتاج الى حمايات وسيارات مصفحة تفتح له الطريق. ولم يكن يحب التصفيق. في خطاب لغاندي عثر عليه مؤخرا في مكتبة بالولايات المتحدة القاه قبل اسابيع من اغتياله، عبر عن امتعاضه من تصفيق الجمهور، قائلاً: “أرجوكم! أرجوكم! أرجوكم! سيؤثر ذلك سلباً في خطابي وفي فهمكم لما أقول. أريد أن أمسَّ قلوبكم، لا أريد أن أحظى بتصفيقكم”. كانت هناك اقوى دولة استعمارية على اراضي الهند، وكان السكان، كما هو الحال عندنا، مشتتون في التعامل مع جيوش هذه الدولة، وكان غاندي يعرف جيدا لعبة المقاومة. المقاومة الاكثر جدوى وجدارة ونزاهة وحماية لحياة المدنيين، غير ان قوى العنف والشعارات والرطانات لم تكن تتحمل رسالة غاندي. آنذاك فاجأه شاب من الجماعات “المقاتلة” المتطرفة بالهتاف “ايها الخائن” فرد عليه الزعيم قائلاً: “إنه خطئي أنا، لأنني لم أعلمك الحب” غير ان الرصاصات لم تترك له ان يكمل خطابه بوجوب حماية المحبة بين ابناء الهند، من كل الاجناس والديانات، فلفظ انفاسه وهو يردد انشودته الشهيرة: “هذه دنيا غريبة فإلى متى سألعب لعبة الحياة”. في خطابه الاخير ذاك كان غاندي، الهندي، يذكر ابناء بلاده بانتمائهم الى دائرة اوسع، قال: “سألني صديقي أمس عما إذا كنت أؤمن بعالم موحد، طبعاً أؤمن، وأنـّى لي ألا أفعل؟ في عصر صحوة أفقر الفقراء”. وخاطب انسان ذلك العالم بالقول “إذا أردت أن ترى الهند على حقيقتها، إبحث عنها في كوخ للبانجي، في منزل متواضع يسكنه أفراد من طبقة البانجي. ثمة 700 ألف من تلك القرى. لاتحتوي تلك القرى السبعمائة ألف سبعين مليون نسمة، بل تضم نحو 400 مليون”. حكمة غاندي بسيطة، بل شديدة البساطة: ان المصائر قد تنكفئ الى دهليز من الثعابين لا نهاية له، وقد تستيقظ في نقطة تاريخية، وان الزعيم الملهم يمكن ان يقف في ذلك المفترق ليصحح المعادلة. الزعيم الذي لا يستغني عن “المعزة” اينما حل، ولا يحب التصفيق.
“ يمكن للمرء أن يفعل ما يشاء، لكنه لا يستطيع أن يريد ما يشاء”. شوبنهاور-فيلسوف الماني
|