اعتذر لأني لم أكن من الحواسم !!

 

 

يبدوا إن للسراق حظوة وللنصابين سطوة وللمعتدين على المال العام قدوة ..

ويبدو أيضا إن الدنيا بدأت تدور حولنا بالاتجاه المعاكس فلم يبقى فيها مكانا للشرفاء والمخلصين الغيارى ،

بعد أن أصر البعض على مكافأة اللصوص وإعانتهم على تكملة مشوار سرقاتهم تحت يافطات مشبوهة ومعروفة مثل دعم الفقراء والمحتاجين دون أن يكون للفقير أو المحتاج فعلا أي اهتمام أو رعاية .

ما دفعني لهذا القول هو إعلان أمانة بغداد عن فرز 50 ألف قطعة ارض سكنية لتوزيعها على الفقراء والمحتاجين .

ولعل هذا الخبر في معناه الظاهري يحمل نفحات إنسانية توجب علينا تقديم الشكر للساعين به لو تم تحقيقه من اجل الهدف المعلن عنه . 

أما في معناه الباطني فانه سيحمل خفايا وأسرار لا يعلم بها إلا الله والراسخون في السرقات .

وهنا أود أن اسأل المعنيين بهذا الأمر كيف سيتم تحديد فئة الفقراء والمحتاجين لمنحهم هذه الأراضي وما هي المعايير المعتمدة لتصنيف هذه الفئة ؟.

فهل سيكون للحواسم نصيب فيها ؟ وهل سيكون للمتجاوزين على المال العام نصيب ؟؟ وهل سيكون للمزورين من مافيات شبكة الرعاية الاجتماعية نصيب ؟ وهل.. وهل؟ .

أنا أكاد اجزم بان من ذكرتهم سيكونون أول المستفيدين منها بحكم ولائهم لجهات سياسية معروفة ويجب أن يستمر هذا الولاء خصوصا مع قرب موعد الانتخابات البرلمانية .

ثم يأتي بعد ذلك أقارب وأحبة المسؤولين ،هذا إن لم نقل إنها ستوزع بطريقة المحاصصة السياسية والتوافق اللغفوي .

إن التسمية الحقيقية والتعريف المنصف للفقير تتمثل بكل شخص لا يملك دارا للسكن أو قطعة ارض يستطيع في يوم ما أن يجعلها سقفا تحميه وعائلته من غدر الزمان حتى لو كان موظفا أو يملك دخلا ما دام هذا الراتب أو الدخل لا يوفر له سكن .

أما أن تعطى الأراضي لأناس زوروا وادعوا الفقر وهم من الأثرياء فهذا هو الظلم بعينه .

فانا اعرف احد الأصدقاء يأخذ منحة شبكة الرعاية الاجتماعية البالغة 200 إلف دينار وهو يملك أربع مولدات وتمكن مؤخرا من شراء قطعة ارض بـ190 مليون دينار وما زال إلى ألان يستلم تلك المنحة .

كما أرى يوميا عشرات الأشخاص يأتون للرعاية الاجتماعية بسياراتهم الفارهة التي يركنونها بالأزقة المقابلة لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية في حي القاهرة ليقوموا بتقديم معاملات الحصول على منحة شبكة الرعاية الاجتماعية واغلبهم من مدينة الصدر ويمتلكون عقارات وسيارات ثمينة .

وأتساءل هنا إلا يعد هذا نصبا واحتيالاً وحوسمة واضحة وسرقة لأموال الفقراء والأرامل والأيتام ولكن الفرق بين الحوسمتين إن الأولى بدون غطاء قانوني ، الثانية فباسم القانون ؟ .

ولا اعرف كيف يفلحون بالحصول على تلك المنح ما لم تكن خلفها مافيات فساد مالي وإداري .

خصوصا وان اغلب المتقدمين للحصول على منحة الرعاية الاجتماعية يمتلكون عقارات وأصحاب سيارات نقل ( كوستر) حديثة لا يقل ثمن ابخسها عن 30 ألف دولار وقسم منها يصل إلى 80 ألف دولار.

وتدر دخلا يوميا قدره 250 ألف دينارا في أسوء الأحوال، أي ما يقارب 7 مليون و500 ألف دينار شهريا وهو مبلغا ممتازاً إذا ما قورن براتب موظف خدمته 30 سنة حتى لو كان مديرا عاما .

ثم هل يعقل أن تعطى الأراضي للمتجاوزين على المال العام من الحواسم الذين استولوا على ممتلكات و عقارات الدولة وتاجروا بها لحد التخمة وأصبحوا من أصحاب رؤوس الأموال وأصحاب شركات ومولدات ،

ولكنهم بقوا في أماكن تجاوزاتهم أو بالأصح حوسمتهم لأنهم كانوا يعلمون بأنهم سيكرمون على سرقاتهم وتجاوزاتهم .

أما الفقير فليذهب إلى جهنم وبأس المصير ، فما الذي اجبره ليكون فقيرا . الم يكن هو من فعل ذلك بنفسه فليتحمل تبعات فعلته أذن ، وعليه أن يسكت ولا يطالب بحقوقه المشروعة لان الحواسم أولى واهم بالرعاية والاهتمام!!.

وبالنسبة للموظف النظيف والمضحي فلا يستحق قطعة ارض إلا من خلال القروض الملتهبة التي تقدمها بعض المصارف بفوائد خرافية تجعل الموظف يرهن راتبه ومستقبله ومستقبل عائلته بيد تلك المصارف،

والتي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون قروضها مجزية لشراء ارض سكنية رغم ما ترتبه على المقترض من التزامات مالية تضيف اعباءا عليه وعلى أسرته لأجل أن يحصل على قطعة ارض سكنية .

بينما نرى الحواسم تتوجه إليهم الأنظار ويسعى الكثير من السياسيين لاستجداء عواطفهم .

بل هنالك من يقبّل أياديهم ليرضى منحه ارض سكنية مجانا وكأن هؤلاء القوم هم من حرر القدس أو أتى بكاس العالم للعراق وليس عبارة عن لصوص وسراق امتهنوا السرقة وغبروا أسرارها .

إن الفقير هو الشريف الذي أبت نفسه وشرفه وقيّمة أن يقترب من المال الحرام ورضي بالحال الذي هو فيه مهما كان بؤسه ولا يملك شبرا في هذا الوطن ،هؤلاء هم من يستحقون أن تشملهم الأراضي والرعاية .

أننا نطالب أن يطلع الشعب على الضوابط والشروط والآليات التي ستضعها الجهات المسؤولة عن توزيع تلك الأراضي ، وان يعطى للإعلام فسحة من حرية المراقبة والرصد والتحقق لمعرفة الفقير من الغني .

كما نطالب المسؤولين عن توزيع الأراضي بعدم الاعتماد على أسماء المسجلين في شبكة الرعاية الاجتماعية لأنها أصبحت شبكة رعاية الأغنياء والمزورين والميسورين .

كما نطالب بعدم منح أي قطعة ارض للمتجاوزين على المال العام وعقارات الدولة لأنهم أصبحوا من الأثرياء بعد أن تاجروا بتلك الأملاك وسرقوها ، وحتى لا يعد منحهم الأراضي مكافأة نهاية سرقه .

وهنا ننبه انه إذا ما تم توزيع الأراضي على ما حذرنا منه فعندها سيشكل التوزيع دعوة للحوسمة وسيشارك بها هذه المرة من أبى الاشتراك في المرة الأولى ما دام يكرم المرء في السرقة ولا يهان .

وحينها سيقدم الجميع اعتذارهم على الخطأ الذي ارتكبوه بعدم مشاركتهم بالحواسم وسيرفعون شعار(اعتذر لآني لم أكن من الحواسم )