لم أتفاجأ بموقف ادارة الرئيس الأمريكي باراك اوباما المتحفظ و المتردد في الشرق الأوسط منذ سنوات، لكني لم اصدق نفسي في مراقبة انكسار التاثير الأمريكي في مصر و العراق و سوريا على وجه التحديد، حيث تغوص واشنطن الرئيس أوباما في رمال متحركة من التخوف و عدم أحترام زمن المفاجئات ما يجعلها بعيدة عن مركز القرار، في مفارقة لا تعكس حقيقة الخوف على المصالج الحيويية في المنطقة. و يبدو أن الرئيس الأمريكي ما زال تحت تأثيرشعارات حملته الانتخابية الأولى يوم كسب الرهان ضد " الجنرال" جون ماكين بالتصويت لصالح سحب القوات الأمريكية من العراق و افغانستان و تحميل شعوب المنطقة مسؤولية أختيار شكل الحكم الذي يناسبها، ما أوقع الادارة الأمريكية في أخطاء قاتلة من ليبيا الى اليمن مرورا بتونس و المصر و البقية تأتي في سوريا و العراق ، بينما يمارسون دور " الحمل الوديع" مع ايران في مغالطات حكم غير مفهومة و لامقبولة ايضا، لأنها تضع مصالح أمريكا في مهب الريح و تعيد الشرق الأوسط الى زمن الموالاة أحادي الجانب، مثلما يفرزه العناد الروسي في الأشهر الأولى من ادارة أوباما الأخيرة. ويتفق خبراء أمريكيون مع النظرية الواقعية القائلة ان إدارة الرئيس أوباما خسرت الرهان في الشرق الأوسط و ستجد صعوبة في استعادة بريقها بلا تنازلات كبيرة، و ما يجري من سجال بشأن الأحداث المصرية هو الدليل الواضح على وقوع واشنطن في فخ سوء التقديركغيرها من عواصم الدنيا عندما يكون التردد عنوان دبلوماسيتها الخارجية. وينظرالمراقبون و خبراء المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط باستغراب الى " متناقضات" لم تجد طريقها الى البيت الأبيض سابقا ، حيث غاب عنصر المبادرة والحزم في وقت واحد، بينما أختفى التلويح بالقوة فانشق كثيرون عن عصا الطاعة ما نجم عنه " تراجع معقد" في نسبة التاثير الأمريكي بعد أن أدار الرئيس اوباما ظهره للمنطقة ، وكأنها خرجت من عنق زجاجة المخاطر الى الأبد، فيما الصحيح غير ذلك، بعد ان توسعت قنوات الأستقطاب الايراني و استعادت الجماعات المتشددة بريقها و أنزوت واشنطن بعيدا عن ضوء الشمس كما يقولون. و أجد أنا شخصيا صعوبة في فهم المبررات التي دفعت الرئيس آوباما الى عدم زيارة العواصم المؤثرة في الأقتصاد الأمريكي قبل غيره من الرياض الى عاصمة الذهب الأسود " لاغوس" الى تفكك عرى التحالفات مع أنقرة و اسلام اباد مرورا ببرود غير متعارف عليه في علاقات أمريكيا مع دول الخليج ، التي بدأت تتصرف بهامش من الأستقلالية في ادارة ملفات مصر و وسوريا ولبنان والعراق أيضا، ما يتطلب قراءة جديدة لخارطة التحديات الأمريكية في المنطقة. يقول الرئيس آوباما انه مع حق الشعوب في تقرير مصيرها، و كأن شعب العراق قد أختار أسلوب الحكم على الطريقة الدينية، أو أن المصريين وجدوا ضالتهم في حكم الأخوان مقابل منع الشعب السوري من أختيار نظامه السياسي بزعم المخاوف من هيمنة المتشددين، وكأن هؤلاء يختلفون بحسب المكان الجغرافي في الفهم الأمريكي الجديد، بينما الحقيقة غير ذلك فالجميع يدور في فلك اختزال السلطة بلا مزاج ديمقراطي، وهي دعوة مباشرة الى عقلاء التخطيط العسكري و السياسي في المؤسسات الأمريكية لاعادة تقليب سجلات صراع المصالح و الارادات في المنطقة ، و الخروج بتوصيات مقبولة توازن بين حقوق الشعوب في انهاء الأزمات التاريخية المفتعلة و التأسيس لمرحلة استقرار حقيقية لا وصفات مهدئة، و استعجال العودة الى مزاج المنطقة في نظام ليبرالي بحترم حقوق الجميع من خلال مؤسسات كفوءة غير متحزبة، و تفاعل شعبي على اسس و طنية ، لأن المنطقة لا تحتمل مفاجئات عدم التوازن في القرار الدولي و غياب عقلانية المزاوجة بين المشاعر الانسانية و الأهداف الأستراتيجية، بحيث لا يكون التردد الأمريكي بموجات قصيرة المدى سببا اضافيا في تنويع الهموم و تعميق الجراح و الدفع بقوى غير مجربة الى ميدان خطير هو الحكم بعقلية التدين لا بروح المواطنة، وقد تكون قراءات الرئيس اوباما لاحداث مصر هروبا الى الأمام في الشرق الأوسط، فهو ينتقد أداء الجيش المصري و كان الطرف الأخر يحمل غصن زيتون، رغم أن عمق التحالف بين واشنطن والجيش المصري، ما يكشف عن خسارة في المراهنات ستتحول الى كارثة اذا تم تعميمها على المنطقة.
|