مع تردي الاوضاع الامنية في العراق – وهي رديئة في احسن حالاتها - ترتفع الاصوات المطالبة بازاحة رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي عن ادارة البلد والذي لم يبق لفترة حكمه سوى عام . ومع تزايد هذه الاصوات تنشط رسوم الكاريكاتير المعبرة عن الاستياء وتتزايد معهما قصائد الهجاء والتندر بشقيها الفصيح والعامي التي تصل حد البذاءة والهذيان في الكثير من الاحيان . ومن يتصد للعمل... السياسي وخاصة في العراق المضطرب الذي يكثر فيه الشعراء الموظفون في مقاهي شارع الرشيد ، عليه ان يفتح ابواب صدره مشرعة لتلقي السباب المقذع حتى من ذوي القربى . لا اريد ان اعكس صورة قاتمة عن القادم في المشهد العراقي الذي يستعد بعد نحو عام لخارطة سياسية جديدة ترسم للبلد عبر الانتخابات التشريعية المقبلة . لكني ادعو كل من يراهن على تحسن الاوضاع السياسية والامنية والاقتصادية بعد ازاحة المالكي من رئاسة الوزراء ، الى ان يخفض قليلا من سقف احلامه الوردية حتى لا يصاب بالصدمة بعد ذلك وربما سيستحضر البيت العربي الشهير : "رب يوم بكيت منه فلما ... صرت في غيره بكيت عليه " . فالاوضاع في العراق مقبلة على تقلبات مروعة لا المالكي ولا الحجاج الثقفي ولا سواهما قادر على مواجهتها وهذه الاوضاع هي حلقة من سلسلة تدهور مريع تسير نحوه المنطقة بسرعة نجومية ، والعراق يشكل حلقة مهمة فيها . ولا اقف هنا طويلا عند اقاويل هشة ما برحت تتكرر على كل لسان وفي كل مكان عن مؤامرة صهيو – اميريـ - ايرا – صفوية ضد الامة العربية الواحدة لاستهداف رسالتها الخالدة وبث الفرقة والطائفية في اوصال جسدها المترابط جدا الذي اذا اشتكى منه عضو تداعت سائر الاعضاء بالسهر والحمى !!! ما يثير الياس في عراق ما بعد المالكي اننا لا نرى لدى اي بديل مشروعا ولو غير متكامل عن ادارة البلاد والاخذ بيدها الى شاطىء الامان وسط فوضى عارمة يروق للبعض وصفها بالخلاقة . شخصيا اتجنب التنبؤ جهد الامكان ، لكني سازعم ان فرص الرئيس المالكي بادارة الحكومة العراقية لفترة ثالثة باتت شبه معدومة ، فالعراق خلال ثمان سنوات من حكمه لم يكن همه سوى ادارة الصراع مع الفرقاء السياسيين المختلفين ، واصبح موضوع مصالحة القادة وجمعهم على ولائم غداء دسمة هو الشغل الشاغل . وكلما كان يطل علينا وزير النفط ليبشرنا بزيادة حجم صادرات النفط العراقي الخام كان ذلك ايذانا بزيادة الصراع بين مراكز القوى المتصارعة على جيفة السلطة . والنتيجة ان هذا الذهب الاسود الذي كان يفترض به ان يضيء ظلام ليالي العراق ويحوله الى نهارات ، احال نهارات العراق الى ظلام دامس واصبح عاملا رئيسا في بروز طبقة سميكة من القطط السمان والى وبال ومحرقة لا ترحم بالنسبة للملايين من ابناء الشعب الذين يتساقطون يوميا بمفخخات الارهاب كاوراق الخريف من دون رادع ولا مانع . مضلِل ومضلَل من يصف ما يجري بانه حرب اهلية تستند الى اساس طائفي . فالحرب الاهلية تحتاج الى متاريس يقيمها طرفان اواكثر ليتواجهوا بالسلاح كالرجال مثلما حدث في لبنان المنكوب مثلا . لكن ما يجري في العراق لا يشبهه شيء من ذلك ولم يشبهه شيء في التاريخ . انه تحالف مشؤوم بين نقيضين فكريين يريدان الاستئثار بالسلطة مهما كان الثمن سواء كان نوري المالكي على راس السلطة او عون الخشلوك ضاعف الله سيولته النقدية وغير النقدية . وحتى يتحقق هذا الهدف "السامي" ستبقى هدايا البعثو - جهاديين تطحن بالعراقيين ولن تكترث كثيرا لشكل البرلمان القادم او رئيسه او ملامح رئيس الحكومة المقبل . المشكلة تتلخص في لاعبين فاشلين اسقطهم التاريخ من حساباته لكنهم يتمتعون بالصلافة و القدرة الكافيتين على تخريب ارضية الملعب وتهديم المدرجات على رؤوس المتفرجين ، على امل العودة الى اجواء المباراة ولو بعد حين .
|