العقم الامني . في العراق قد يقتل الجار جاره , ويفتك الصديق بصديقه , ويهدد الموظف مديره , ويتوعد التلميذ استاذه , وقد يسقط جميعهم مغدورين على حافات الطرقات , ومن ثم تسجل الدعاوى ضد مجهول , ليعلو ملفات نلك الدعاوى الغبار في مراكز الشرطة وتفنى فيما بعد وتزول , هذا عن مسلسل الجرائم اليومية المرتكبة ضد المواطنين على شكل استهداف فردي , اما مشاهد الاستهداف الجماعي في الاسواق والاماكن العامة فهي الابشع والاكثر ايلاما , والمصيبة ان مقترفي ذنوب قتل الانفس البريئة واستباحة دمائها الطاهرة , القسم الاكبر منهم فر من سجن بغداد المركزي(ابو غريب) , في عملية لاتزال تعد وصمة عار في جبين كل قائد سياسي وامني مفلس اخلاقيا , حاول خداع العراقيين بنزاهة قواتنا المسلحة وقدرتها على مكافحة الارهاب المدعوم دوليا . ما يحدث في العراق (فوضى ) باعلى مستوياتها بل عمل ممنهج لخلق فوضى دائمية , تنظر لها عقول وتدعمها بالمال والسلاح , وهذه العقول موجودة في الداخل والخارج ومنخرطة في العمل السياسي والامني , ومن تجليات هذه البلبلة وزارات امنية تحوي اكثر من مليون عنصر شاغرة منذ سنوات , وتدار بالوكالة او يستوزرها شخص واحد يحتكر القرار الامني , هذا فيما يخص الادارة , ولو تطرقنا الى الخطط والجانب العملياتي الميداني المتصدي لمخططات الجماعات المسلحة بكل فصائلها , لحكم عليهما ابسط مواطن بالفشل والعقم , مقارنة بعقلية العدو وهجماته المنسقة والمتزامنة التي استطاعت ان تخرق اي مسعى حكومي يهدف الى لجم تلك الهجمات وكبح جماحها , وهناك امر في غاية الخطورة لم يلتفت اليه قادة الامن , هو ان اجراءاتها المستحدثة من قبيل قرار الزوجي والفردي , وتكثيف نقاط التفتيش وتوسعة نشاطها التفتيشي الذي خلف ازدحاما مزعجا , ومدمرا لاعصاب المواطن , اجراءات اججت مشاعر السخط والتذمر حيال افراد الامن كما زعزعت ثقة المواطن باداء قواته المسلحة , ما جعل من غير الممكن ضمان تعاون الاخير مع هذه القوات التي لم تجلب له سوى المضايقة والازعاج , ما اعطى مزيدا من الزخم المعنوي للمجاميع المسلحة , ووفر لها ملاذات امنة في بعض المدن والقصبات العراقية خاصة ما تطلق عليه الحكومة (حزام بغداد) , فليس من صالح الحكومة والمؤسسة الامنية والمواطن ان تشرع بعمليات واسعة تجاهر بها اعلاميا تستهدف الارهاب وحواضنه , لانه يزيد الامر سوءا ويفاقم مشاعر العداء تجاه الحكومة وجميع مفاصلها , وقد يشكل خطرا على السلم الاهلي اذا ما فسر استهدافا لمكون معين . الارهاب وكا يطلق عليه الخبراء تنظيم يقود حربا شبحية تعتمد اسلوب الكر والفر, اي حرب العصابات التقليدية الاستنزافية , التي يصعب السيطرة عليها , كما انها تدوم لعقود من الزمن لاسيما اذا عملت في ظروف سياسية وامنية واقتصادية واجتماعية مضطربة , فمن شأن هذه الظروف ان تطيل من عمرها , فالمعركة ضد الجماعات المسلحة المدعومة من الخارج , ليست حربا مفتوحة في جبهات القتال ضد عدو مشخص , كي تحشد ضده القوات وتدخل في حالة انذار قصوى , فالتفسير الارجح لهذه التحركات من جانب الحكومة هو افتقار دوائرها الامنية المختصة بجمع المعلومات الى الالية التي تجمع من خلالها المعلومات ومن ثم ايصالها الى القوات المنتشرة على الارض , فهذا الفراغ المعلوماتي - وقد تكلمنا عن سبب وجوده - وراء التخبط الامني والاخفاقات المستمرة . حينما يوظف الملف الامني سياسيا من جهة او شخص معين لتحقيق منافع حزبية او شخصية تحل الكارثة , اذ يبدأ اختيار المناصب الامنية وفقا للولاءات , فيقرب الفاشل ويبعد الكفوء , ومن ياتي على هذا الاساس سيكون وبلا شك فاسدا (ماليا) ومقصرا ومهملا , لان بقائه مقرون ببقاء من اهداه المنصب , اما من اوصله نظام المحاصصة (هذا لك وذاك لي) الى المنصب , فعلى ذات الشاكلة , لان الاثنين لن يعملا بدوافع وطنية . ان هذه الامور جزء من كل معقد لايسع المجال لذكرها , فالجهاز الامني , جهاز مريض اعيته اسس البناء الخاطئة , واضعفته الرؤوس السياسية والامنية الفاسدة , القابضة على السلطة , التي لم تخلف سوى الدمار والخراب , الماضية باحالة البلاد الى تراب
|