دولة الرئاسات الثلاث

 

 

لسنين طويلة حلمنا وتأملنا في غد قادم تسقط فيه آلهة الحكم المتفرد والنرجسية المقيتة والفساد المالي والإداري ومناصب المحسوبية والمنسوبية، وهيمنة النكرات والتافهين من المتسلقين وأرباب السحت الحرام، ورغم مأساة ما حدث لإزالة ذلك النظام المخزي الذي أنتج أجيال من المعاقين فكريا وأخلاقيا وسياسيا، تصورنا إننا وضعنا أقدامنا في الاتجاه الصحيح لبناء أسس دولة مدنية معاصرة تليق بشعب قدم ما يقرب من ربع سكانه ضحايا وقرابين على مذبح الحرية، أو في أتون حروب قذرة طيلة ما يقرب من قرن من تأسيس هذا الكيان.

 

وبعد كل هذا اهتدينا إلى ناصية الديمقراطية المفترضة لكي نؤسس لوطن الحلم ودولة المستقبل، متناسين ما ورثناه من عيوب وعاهات ومركبات نقص هائلة في كل مناحي الحياة، وجوع هائل يصل إلى مستوى ( الجوعية ) في المال والمناصب والهيمنة والارتزاق وتسخير العام من اجل الخاص، والتقاتل من اجل المنافع الذاتية بعيدا عما كنا نحلم به دوما.

 

ولا أتحدث هنا عن الأغلبية المهمشة تاريخيا والمستخدمة أبدا من قبل هؤلاء، ولكنني أتحدث عن أولئك الذين يدعون وادعوا سابقا بأنهم يمثلونهم أفقيا بما في ذلك أكثرهم يسارية أو ديمقراطيةً أو حتى عقائديةً، وبالذات حينما يتعلق الأمر بالمال ومنافعه الشرعية أو غير الشرعية أو المشتبه بها، وما حصل في العراق ويحصل في مصر يصيبنا جميعا بالإحباط خاصة وان أكثر الذين تقلدوا مناصب المال والسيادة يصنفون إيديولوجيا بالمتقين والمؤمنين بخلفية دينية يفترض أنها تمنعهم عن الحرام بكل أشكاله، والمشبهات بكل أنواعها، بل أنهم وجدوا في مواقعهم لكي يبشروا الأهالي والغلابة تحديدا، بعالم جديد تسوده العدالة والحرية والنزاهة؟

 

وما ظهر بعد تولي ( بدائل الدكتاتوريات ) الحكم في العراق ومصر وليبيا وتونس وغدا في سوريا، كشف عورات مخزية للرئاسات المتعددة التي ورثت الحكم من دولة الأوحد لتصبح دولة الرئاسات ( رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس البرلمان )، وبدلا من دكتاتور واحد

سرق الحكم عنوة بانقلاب عسكري، أصبح لدينا رئاسات تتمتع بذات الامتيازات التي كان يتمتع بها الدكتاتور السابق، بل ربما تزيد عنه في انها أخذت مشروعيتها من صناديق عوراء وصماء، والانكى من ذلك إن كل منها يعمل لحاله، وله أتباعه ومريديه، بل ومجاله الحيوي وميليشياته المسلحة وميزانيته التي تشبع سكان دولة افريقية.

 

فإذا كانت الديمقراطية قد أتت بالحل دينيا كما يقولون، وان رجال هذا الحل غاية في النزاهة والزهد وطهارة القلب واليد، فما حصل ويحصل في كل من العراق ومصر وتونس وليبيا وسوريا يمثل أتعس أنماط الأنظمة وأكثرها بدائية وبربرية وفساد وصل حد النجاسة في السرقة والاختلاس والاغتصاب والقتل، فيما شهدناه جميعا سواء هنا في بلادنا وما يحدث في تلك البلدان وربيعها الدموي، سواء من كان منهم في السلطة أو من يدعي انه يمثل الجهاد والمجاهدين في استباحة أرواح وأموال الناس تحت مظلة تلك الشعارات.

 

وفي خضم ما يحدث يبقى السؤال الأكثر حيرة هو:

أين يكمن الحل؟

ومن أفشل من؟

الشعب أفشل الحكومات أم العكس؟