كوميديا المكاتب الاعلامية للنواب

 


بدل ان يفتح النواب مكاتب لهم في الاحياء والبلدات والمزدحمات التي صوتت لهم واختارتهم لتمثيل مصالحها، اخترع العقل البرلماني المهووس بالظهور الاعلامي طريقة سهلة، وكوميدية، للاقتراب من الجمهور، عبر مكاتب اعلامية، لاوجود لها في الواقع إلا في سطور مرسلة الى اقنية الاعلام ومموقعة من “المكتب الاعلامي للنائب...” ولا وظيفة واضحة لها، بل ولا مبرر لوجودها إن كان الامر يتعلق بنقل رأي النائب بحدث من الاحداث.
والغريب ان اكثر موضوعات هذه الرسائل يدخل في باب المهاترات بين الكتل او النواب او بين مراكز النفوذ داخل الكتل نفسها، والكثير منها يسجل نفسه، وبلغة لا تخفى على اللبيب، في قائمة الولاء لهذا الطرف الاقليمي او ذاك بهدف الترزق لتأمين ميزانية الدعاية الانتخابية للسباق المقبل، او لرد الدين عن كرم سابق، وثمة العديد من هذه الفعاليات الاعلامية يتناول احداثا سياسية او يتضمن تعليقات على الاحداث الجارية، او مجادلة مع تصريحات مقابلة. اما الاهتمام بشؤون الناخبين وهمومهم وشكاواهم مما يعانون، فهو ابعد ما يكون عن مشغولية هذه المكاتب المزعومة، رغم ان هذا الباب هو الشغل الدستوري للنائب، فضلا عن الرقابة على اعمال السلطة التنفيذية ومجريات حماية حقوق الناخبين.
من جانبي اطلعت على ما يزيد على عشر رسائل صادرة عن مكاتب اعلامية لنواب من مختلف الكتل، وافجعتني الاخطاء النحوية والتعبيرية والاملائية فيها، مما يقنع، اي مطلع، بانها لم تحرر من إعلاميين حقا، ولا من معنيين بالكتابة، وبعض هذه الرسائل يفتقد الى اخلاق المخاطبة واصول الكلام المهذب وموجبات العناية بالمقامات والكرامات، فيما يصعب على المتلقي احيانا معرفة ما يريده صاحب الرسالة الاعلامية من وراء هذه السطور المهينة للخدمة الاعلامية.
ومن يتقصى مجرى بعض فصول هذه الكوميديا سيعرف ان بعض العاملين في الفضائيات من مراسلين ومصورين وكتاب اخبار (اقول بعض) يديرون هذه المكاتب الكوميدية، وبعضهم يديرها بالموبايل والنت من منزله، والبعض الآخر يحررها من “ديوانية” النائب بحسب احتياجات الملاسنة في الوسط البرلماني.
طبعا يحق للنائب ان يؤسس مكتبا اعلاميا له، لكن السؤال هو لماذا يؤسس مكتبا اعلاميا ولا يؤسس مكتبا لاستماع شكاوى ناخبيه قبل ذلك؟ والسؤال التفصيلي هو: من الذي يحمي مهنة الاعلام ورسالته وتشريعاته من هذا التدهور المريع.. من هذا الانحطاط.


“ ليس للحقيقة موعد خاص بها، بل موعدها الآن دائما”.
شفايتزر- فيلسوف الماني