كان موعداً مقرون بالموت لزيارة عوائل الموتى ولان اعيادنا موت ولحظاتنا بطعم العذاب عشقنا زيارات المواساة وفضلناها على اوقات الفرح لشعورنا بانتمائنا الازلي لها , في بلد كتب الله عليه ان يخرج ابنائه للعمل دون التفكير بالعودة على اقل تقدير بوجه باسم دون غبار انفجار او ملامح حزن رُسمت نتيجة منظر دامي . النخبة كانت مقر لقائنا للانطلاق بتلك الزيارة فقررت ان احضر مبكرا لغرض متابعة احداث وتفاصيل الانفجار الاول الذي حدث في مدينتي التي لم تعد هادئة , وكان ذلك الانفجار في الصوب الثاني من المدينة قرب صيانة كهرباء صوب الشامية والذي خَلفَ وراءه شهيدا وسبعة جرحى حسب ما تناقلته وكالات الاخبار ومنها وكالة الجنوب الاخبارية مقر تجمعنا . كنت قادماً سيرا على الاقدام لعدم امكانية ايصال السيارة الى ذلك المكان بسبب القطوعات في الشوارع والزحام الشديد نتيجة تلك الخطط الامنية التي لم تحقق ادنى مستويات الامن والامان للمواطنين الابرياء , كنت قريبا من مقر النخبة بأمتار ورأيت رجل المرور يتشاجر مع احد السواق الذي كان يحاول ان يركن سيارته في الشارع , وكانت الغلبة للسان السائق الذي يحاول ان يبرر وقوفه بالزحام وعدم امكانية التقدم بسيارته اكثر ويطالب رجل المرور بمعاملته اسوة بالسيارات المتوقفة قبله . رأيت وسمعت تلك المحادثة وانا اسير بخطوات ثقيلة لأني وصلت المكان الذي انشده ولم تجلب انتباهي سيارة ذلك الشخص لان المنطقة تعج بالسيارات المتوقفة على جانبي الشارع , دخلت مقر النخبة وماهي الا دقائق شربت فيها كوب شاي وانا اتحدث مع الزميل على الملا وبعض من المراسلين عن سبب تأخرهم من تنزيل تقرير مصور عن الانفجار الاول فاخبروني ان المراسل في الطريق ومعه الصور. وما هي الا لحظات ليدوي صوت الانفجار في المكان اسرعت ومن معي في الغرفة نحوا الباب لتتوالى اصوات تكسر زجاج السيارات تباعاً نتيجة العصف وتساقطت قطع الحديد المتطايرة امامنا ورأيت بعض الزملاء يسقطون ارضا لشدة العصف منهم علي الملا وسيف الحجيمي واحمد العبادي , ورأيت رجل يجلس على الارض والنار تلتهم ملابسة التي مزقها الانفجار, وقد اسرع الشباب لإطفاء النار من حوله وصرخنا بالشرطة الواقفين الذين يحاولون منع الناس من الوصول الى مكان الانفجار , بان يطلبوا سيارة اسعاف . حضرت سيارة الاسعاف ورفض السائق ان يتقدم الى مكان الجريح !! وصرخ من بعيد احملوه الى هنا !! قررت حينها ان اخرج الموبايل من جيبي واصور الموقف والمكان والنار تلتهم كل شيء كانت لحظات حق ما قيل عنها انها تورث جميع امراض العصر وتستفز الذاكرة كلما ارخى الدماغ سدوله بلحظة تأمل او فرح , كان الموت يحلق بنا بجناحين من نار يلتقط من قد اصفرت اوراقه ويترك من كانت اوراقه خضرٌ ندية , ورأيت الملائكة تبكي لمنظر الدم واستخفاف بني ادم بحرمة دم اخيه فقلت الحمد لله والشكر لله أني ارى بعيني , واقف على رجليَّ بثبات فأيقنت باني لازلت حياً .
|