إئتلافاتٌ تتشظّى .. وإرهابٌ يتغوّل !!

 

 

فيما ينهض الارهاب من جديد وتتسع عملياته الاجرامية كماً ونوعاً يتسع الخلاف ويتعمق الانقسام وتتصدع اركان الائتلافات المكونة والمشاركة بالعملية السياسية وبناء الدولة والسلطة الجديدة دون تحديد من الذي يقود نفسه والآخرين نحو حافة الانتحار..
و رغم مرور ما يقرب من أحد عشر عاماً على التغيير والاحتلال ، وعلى الرغم من بناء جيش جديد ، وقوى أمنية متعددة الأسماء والمؤسسات ، تجاوز تعدادها المليون ، وهذه القوى لا تواجه جيشاً محترفاً مقاتلاً ، يستخدم الطيران والدبابات والمدفعية وغيرها، بل جلّ ما تواجهه عصابات محترفة للقتل بوسائل إجرامية خبرها الناس ... ومع كل ذلك ما زال الشعب يُقتل ويُذبح ويُنحر كلّ يوم بـ(طرائق قددا) ،حتى بلغ عدد الضحايا للأشهر الأربعة الأخيرة مايزيد على الثلاثة آلاف ضحية ، فيما ينعم البعض بالامتيازات والرواتب والمخصصات والإيفادات والسيارات المدرعة والمضللة وقطع الأراضي المميزة ، وجوازات السفر الدبلوماسية و(الفلل) الفاخرة ، والشركات الاستثمارية في بلدان العالم الآخر الذي منح الكثير منهم الجنسية الثانية ، بل الأولى والأهم... 
ما أقبح المشهد المتناقض! وما أسوأ أن يتاجر البعض بدم شعبه!!! بل ما أغرب وأعجب أن يصمت الضحية ، أمام الجلادين والسرّاق !!!   
لقد أظهرت جرائم القتل بالجملة في الفترة الأخيرة ، وخاصة في أيام شهر رمضان الخير ، طبيعة العقلية التي تسيطر على أولئك القتلة(التكفيريينالذين يعلنون مسؤوليتهم بـ(فخر!!!)عن ارتكاب هذه الجرائم عبر مواقعهم الرسمية ، فيما يحاول بعض الساسة ممن يدينون أنفسهم بدفاعهم عن أولئك القتلة  ومحاولة تبرئتهم ويسارعون بكل ثقلهم إلى الهجوم والتشكيك والطعن بكل شيء وهم يستخفون بدم وأرواح الضحايا وليشيعوا الرعب والخوف في نفوس البسطاء ليوهنوا آمالهم بالمستقبل ، ويُمَنُّوا أنفسهم المريضة بعودة الماضي البائد الذي : لا ولن يعود أبداً.  
إن الذين يستحلون الدماء، والذين لاتهزّهم جرائم التكفير،هم أعداء الأمة ،وهم أكثر من ذلك أعداء أنفسهم بلا ريب . وإن الإعلام الحاقد المضلّل ، والساسة العملاء أو الأغبياء الذين باعوا أنفسهم للشيطان من أجل السلطة أو المال أو بدواعي الحقد الأعمى ،لا يمتّون إلى الإسلام ، ولا إلى الوطنية ،ولا إلى الإنسانية بصلة ...    إنّ ما يحصل من تصاعد للأعمال الإجرامية ، والفساد المستشري في كلِّ مفاصل الدولة ومؤسساتها ، واستعصاء حلّ المشاكل الأمنية والخدميّة كلّه بسبب عوامل داخليّة عديدة ، وأخرى خارجية: إقليمية ودولية ...
 
ولكن مهما كان التدخل الخارجي ودعمه للإرهاب والفساد ، فإنه لن ينجح لولاوجود بيئة داخلية حاضنة ، مستعدة للتعاطي والقبول ...  وهنا لابد من طرح السؤال الأهم : وهو لماذا ؟ وكيف ؟ ينحر شعب نفسه؟ لماذا؟ وكيف؟ يحتضن شعب قاتليه ، وسرّاق ثرواته ؟ لماذا؟ وكيف ؟ يسمح شعب لنفسه أن يكون شريكاً بسفك دم أبنائه ، واحتضان المجرمين أو التصفيق لهم ؟ عجباً أن تصل الجهالة بنا حد قبول الذلّ لأنفسنا !!!،والأعجب : أننا نرى ذلك انتصارات ومنافع !!! ...   الجواب على هذه الأسئلة يكمن في ثقافة هذا الشعب ، وضعف إيمانه ،وتغلّب القيم المتخلّفة عليه ... إنها شخصية الفرد الذي اعتاد خنوع العبيد ،واستسلام الرقيق، واستصحاب مقولات الظلمة التي أشاعوها بيننا ،من قبيل (لي الأمان ،وليكنْ من بعدي الطُّوفان) و(وجوب طاعة السلطان الجائر) ، والتفسير الخاطئ لقوله تعالى (عليكم أنفسكم لا يضرّكم من ضلّ إذا اهتديتم ) ، والتفسير الخاطئ لقوله تعالى (ولاتلقوا بأيديكم إلى التهلكة) ، حتى أصبح الكثيرون ( إمّعاتٍ)، بخلاف وصية رسولنا الأكرم (ص) يوم قال :(أبلغْ خيراً ، وقلْ خيراً ، ولاتكن إمّعة ) ونسوا أوتناسوا قوله (ص) ( كلّكم راع ٍ وكلّكم مسؤول عن رعيّته) وقوله (ص) أيضاً:( لتأمرنّ بالمعروف ولتنهونّ عن المنكر ،أو ليسلطنّ الله عليكم أشراركم ، فتدعون ولا يستجاب لكم) أوقوله (ص): (من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم)... وقبل ذلك أمْرُ الله لمن يؤمن به سبحانه (ولتكن منكم أمة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) وهذا ما يتناساه البعض بأن (الفلاح) مرتبط بالدعوة الى (الخير) و(الأمر بالمعروف).
 
إنّ ثقافة المجتمع ذات أهميّة جوهرية في عملية الإصلاح  ، أوالتغيير ولكنها مهمة صعبة وطويلة الأمد،  وما نحتاجه اليوم لفكّ أسرنا من التبعيّة  ( غير المباشرة) ونقص السيادة ، ومواجهة تحديات الإرهاب والفساد ،ووقف نزيف الدم المتدفق من شرايين العراقيين وأوردتهم ،الذي يزداد تدفقاً كلّ يوم ...  
ما نحتاجه هو (العودة إلى الذات) لإدراك مصائرنا، فكل الحلول تكمن في وعينا ،بأن الأعداء كلهم (متحدون) ، ولا بد لنا ان نتحد أيضاً ،ولا بدّ أن نمتلك إرادتنا لنحكم أنفسنا بأنفسنا ، ولا ننتظر الحلول من الآخرين  وأن لانستسلم للواقع وموازينه المختلة...(إن الله لا يغير مابقوم حتى يغيروا مابأنفسهم) ، ولا ننساق للصراع مع (الذات) لمنافع ضيقة والاستغراق بمقولات اغتنام الفرص على حساب التمسك بالعدل والحق وأن ندرك أن شرطَي  النجاح لكل أمّة أو سلطة يكون بتوفّر(الرؤيا الشاملة) و (الإدارة الناجحة) - بالطبع- بعد توفر (الإرادة الحرة) وهي الشرط البديهي والجوهري...  
وقبل الختام أذكّر بأن (الإختلاف والتنوّع) ، بل حتى ( الصراع) غير الدموي أمور طبيعية هي من سنن الكون والتأريخ ، (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة  ولا يزالون مختلفين إلّا من رحم ربك ولذلك خلقهموليس هناك مشكلة في تصارع القوى على السلطة والمال والجاه ، ولكن المشكلة في (كيفيّة التعاطي) مع المختلف، وكيفية (إدارة الصراع) ... وهنا نؤكد على ضرورات المنهج الحق في التعامل مع المختلف بالحوار، وضرورة احترام الرأي الآخر وعدم التمسك بمقولة (أنا على الحق مطلقاً وغيري على الباطل مطلقاً) في كلِّ وقت ... وهنا نكرر القول  ، بأن : الدليل أداتنا ، والحق قائدنا ،والعدل منهجنا ، و في الصدق نجاتنا ... وحقيقة انكشاف صدق المبادئ والنوايا (الاصطفاف مع رسالة الرحمة والعدل الإلهية )، لا تبديل ولا تحويل ، ولا تعديل ،ولا تشويه. ولا يسوّغ في نهج علي (عليه السلام) المداهنة ولا التشظي وتناحر الأخوة (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم).ولمن لا يعي نذكّر بقوله تعالى:(أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً  فكرهتموه) فكيف بمن يأكلون لحومنا ونحن أحياء؟!
فهل نقول: (بلَّغنا)؟! أم نقول : لقد أسمعت لو ناديت حياً ؟!