نصف ما قيل عن هجوم يُعدّه تنظيم القاعدة على المنطقة الخضراء لايعدو عن كونه شائعات ومبالغات، وربما تمنيات ايضا، والنصف الثاني يتصل باجراءات بالغة الافراط والتوتر لحماية المنطقة التي تضم مباني ومراكز حساسة اخطرها ادارة الحكومة والسفارة الامريكية، وكلاهما اتخذا احترازات استثنائية، فوق الاحترازات التي تتخذها اجهزة الجيش والشرطة في محيط المنطقة ومداخلها. اما الحقيقة فهي التالية: ان تنظيم القاعدة الذي نجح في اختراق النظام الامني الوطني بعملية اقتحام سجن ابي غريب واطلاق المئات من عتاة الارهابيين والمجرمين صار على مشارف المنطقة الخضراء المحصنة، بل ان الكثير من المراقبين والدبلوماسيين والمحللين العسكريين اعتبروا المنطقة الخضراء ساقطة أمنيا، وان ثمة اكثر من خلية ارهابية منتشرة فيها تسهّل لهجوم استراتيجي يكسر شوكة كابينة رئيس الوزراء في عقر دارها، ويضرب هيبة الدولة في رمزها السياسي. واللافت ان المواقع القريبة من تنظيم القاعدة على شبكة الانترنيت لم تشر الى عزم التنظيم على اقتحام المنطقة الخضراء، ولم تهدد بذلك، واكتفت طوال الفترة الماضية بترويج “مأثرة” ابي غريب لاثارة حماس مقاتليها وانصارها، في وقت يشهد التنظيم انتكاسات في شمال افريقيا واليمن وتتراجع مناسيب تطوع الانتحاريين في عدد من دول العالم التي كانت ممولا بشريا للمشروع الارهابي العالمي. وقد تكون احتمالات هجوم القاعدة على المنطقة الخضراء مبنية على قرار الولايات المتحدة غلق سفارتها في المنطقة بعد ايام من الهجوم على سجن ابي غريب، وايضا على تسريبات استخبارية عراقية عن خطة لهذا الهجوم، لكن واشنطن عادت الى نفي العلاقة بين قرارها وحادث اقتحام سجن ابي غريب، كما ان الجهات الامنية العراقية لم تعد تتحدث عن خطة القاعدة لاقتحام المنطقة الخضراء على الرغم من الاستنفار المضروب من حول المنطقة والذي يتزايد كل يوم. والسؤال التفصيلي الذي يطرحه المراقب هو: هل تنوي القاعدة حقا القيام باقتحام المنطقة الخضراء؟ الجواب: نعم.. لكن مما هو معروف للمتابعين والخبراء ان هجمات القاعدة تتسم بالمباغتة دائما ولاتهاجم هدفا صار قيد التداول الاعلامي، فهي قد تهاجم المنطقة الخضراء لكنها ستتحكم بساعة الهجوم في الوقت الذي تتراجع اليقظة الامنية الى حد مناسب، وينصرف الساسة الى عراكهم الذي يُشغل الجمهور. الحل، كما يشير خبراء مكافحة الارهاب، يتمثل في خطة عسكرية، مدعومة من الطبقة السياسية والمجتمع تتجه الى مداهمة اوكار الارهابيين قبل ان يتحركوا لتنفيذ هجماتهم الاجرامية.. وقبل ان يصل موظفو الحكومة الى مكاتبهم.
“الإنسان هو الكائن الطفيلي الوحيد الذي ينصب مصيدته الخاصة ويقوم بوضع الطعم فيها ثم يخطو داخلها”. جون شتاينبك
|