لم تفزعني نقاشات الكثير من "مثقفينا" على فيسبوك مثلما أفزعتني ليلة البارحة. فركت عيني مرات ومرات لأتأكد من أنهم فعلا جعلوا من تمني عبد الرزاق عبد الواحد، الدفن في العراق، قضية. المسألة ببساطة شديدة أن الرجل لا يريد الموت في الغربة بل في بلده كي يدفن بالأرض التي ولد عليها. هذه مسألة إنسانية بحتة يقدّرها أي حس. من انتم حتى تفتوا بمسألة كهذه؟ هل لأن جنابكم شعراء مثلا؟ يا ناس، يا دنيا، يا عالم: أين هو الموضوع الجدلي من الأساس حتى تريدوا إثارته وفتح نقاش حوله؟ أتتصورون ان الثقافة هي مجرد امتلاك أحدكم قاموسا من المفردات المنمقة ليسطرها على الكيبورد فيصبح مثقفا.لو ترجمنا مفردات قواميسكم هذه إلى لغة الناس العاديين فما فرق أفكاركم عن فكر أي حارس قومي أو إرهابي أو ابن شارع من شوارع الفاشية؟ ما علاقة شعر عبد الواحد بقضية عودته حتى لو كان قد مدح صدام وغير صدام مليون مرة؟ ما علاقة هذا بإنسان على فراش الموت يريد ان يشم هواء العراق لآخر مرة؟ أهذه هي إنسانيتكم؟ فإن كانت كذلك فيا خيبة العراق بكم. عيب ولكم والله عيب. ليس العيب في أن بعضكم وقف ضد دفنه بالعراق، إنما العيب أصلا في أنكم تسمحون بان يكون هذا الموضوع جدليا وتخضعونه للنقاش. لن أتوقف عند موقف اتحاد الأدباء المشين الذي جعلني أتخيله وقد أوقف حرسه بباب المقابر للسماح لهذا التابوت بالدخول ومنع آخر لأنه لا يحمل تصريحا من رئيس الاتحاد مكتوبا فيه: يسمح بدفنه! سأترك الاتحاد وأتوقف عند الذين "تكرموا" بالموافقة على عودته في أيامه الأخيرة لأنهم هم أيضا منطلقاتهم خاطئة ومؤسفة. منهم من يقول: لأن الشلاه أو "أبو رغبف" بالعراق، فلندعه يعود! وبعض يقول بما ان صدام دفن بالعراق فلنسمح لمادحه أيضا! ويأتي آخر يلتمس له العفو لأنه كتب قصيدة بحق الإمام الحسين! والآخر يصرح بانه لا يجوز منعه لأنه جنوبي! أقول لكل هؤلاء: لا. فتاريخ الرجل كله ليس له علاقة. الموضوع ببساطة أن إنسانا عمره 83 عاما يريد أن يموت في بلده. فلا علاقة له بشعره أو بالشلاه أو الجنوب أو انه مدح الحسين. لنفترض اليوم أن العراق جنّة لا بعثي فيه بالحكومة، ولا شلاه، وأن صدام مدفون خارج العراق، فهل هذا يبيح حرمان إنسان في أيامه الأخيرة من أن يموت في الأرض التي يريد؟ الموضوع ليس ثقافيا ولا شعريا ولا نقديا، بل انه إنساني محض ومحسوم عند من لديه ذرة من الإنسانية. أما عن شعره فالرجل ترك منجزا شعريا يمكن ان يدور حوله النقاش إلى 50 سنة قادمة سلبا أو إيجابا. استحوا على أنفسكم أن ترفعوا حرابكم بوجه رجل مسجى على فراش الموت ولا يطلب غير أن يموت بسلام. عار عليكم أن تحولوا موضوع موت إنسان كهل إلى ساحة وغى تستعرضون بها هزال عضلاتكم الثقافية. جاء في الأمثال المصرية: قالوا ، تعرف الهايف ازاي، قلهم، ييجي في الهايفة ويتصدر
|