آخر معاركنا البحرية الخاسرة.. البرلمان يصادق على اتفاقية الملاحة في خور عبد الله مع الكويت

 

 

 

 

 

 


العراق تايمز: كتب كاظم فنجان الحمامي

وأخير وقع الفأس بالرأس وتحول العراق إلى دولة مغلقة بحرياً بعدما أرتكب زعمائه هفوتهم البحرية الكارثية الثانية, كانت الهفوة الأولى عام 1975 عندما فرط العراق بمدخل شط العرب لصالح إيران, فتنازل عن سيادته المطلقة على مسطحاته المائية لهذا النهر العربي الهوية, العراقي المولد والاسم, الرافديني الانتساب, وها هم اليوم يرتكبون هفوتهم البحرية الثانية, التي صادقوا فيها على الاتفاقية الملاحية مع الكويت في خور عبد الله, فاعترفوا رسميا بالقرار (833), الذي أطاح بسيادتنا الدولية على آخر ما تبقى لنا من الممرات الملاحية التي تربطنا ببحار الله الواسعة, واقتنعوا بإنزال العلم العراقي من فوق صواري السفن المتوجهة إلى أم قصر. .
وهكذا خسرنا نصف شط العرب لصالح إيران, ففقد النهر اسمه وتدهور رسمه, وتغيرت ملامحه, وصار اسمه الآن (أرفند رود), ما ينذر باحتمال خسارتنا لمنصاتنا النفطية العائمة في خور العمية. . 
ثم خسرنا خور عبد الله كله لصالح الكويت, بعد قيامنا بحفره وتعميقه وتوسيعه وتأثيثه بالفنارات والعلامات الملاحية, وبعدما أمضينا الدهر كله في مشاريع تهيئته ملاحياً منذ عام 1870 وحتى يومنا هذا, وبعدما اشترينا عشرات السفن العملاقة المتخصصة بالحفر البحري, كان آخرها السفينة العراقية (أم قصر), التي بلغت قدراتها الاستيعابية (8000) متر مكعب من الأطيان والرمال المتراكمة في خور عبد الله. .
لم يكن للكويت أي تواجد في هذا المقطع المائي المعزول المحاذي للفاو, والمجاور لميناء أم قصر, فجاء التصديق على المعاهدة الكويتية ليمنحها التمدد الحدود باتجاه سواحلنا, ويصادر آخر مسطحاتنا البحرية, ويحرمنا من الصيد والملاحة, خصوصا بعدما اقتنع البرلمان العراقي بسيادة الكويت على خور عبد الله, واعتبرها متفضلة علينا بالسماح لنا في التحرك والإبحار في مياهنا الإقليمية التي صارت الآن ملكاً صرفاً للكويت, ما ينذر باحتمال خسارتنا لمنصاتنا النفطية العائمة في خور الخفقة. .وحقل العوامات الرحوية. .
ضاع شط العرب أولاً, ثم ضاع خور عبد الله, فتراجعنا وتقهقرنا, وتقلصت سواحلنا, وضاقت علينا الدنيا بما رحبت, واقتربت الحدود البحرية الكويتية من الحدود البحرية الإيرانية في خور عبد الله, وأصبحت المسافة المختزلة الفاصلة بينهما في حدود بضعة كيلومترات. .
وتقاسمت إيران والكويت كل الحقول النفطية والغازية في المقطع الشمالي من الخليج العربي, بينما تقوقعنا نحن في الزاوية الميتة, وصرنا على مسافة حرجة من خسارتنا لموانئنا النفطية لوقوعها خارج التحديدات البحرية المفروضة علينا. .
لم أتأخر في يوم من الأيام عن واجبي الوطني, ولم أتقاعس ولم ادخر جهدا في الذود بالدفاع عن مياهنا البحرية, وكنت أول من تصدى لهذه التنازلات البحرية الغبية, فشاركت في كل الندوات والمؤتمرات والحلقات النقاشية, وكتبت مئات المقالات, وأعددت عشرات الدراسات, وواكبت الفرق المكلفة بتقصي الحقائق في عرض البحر, وصرخت بأعلى صوتي تحت قبة البرلمان محذرا من وقوع الكارثة, فكانت النتيجة أن ظهر علينا في شهر رمضان من يقول أن البصرة ليس فيها خبراء ولا كفاءات, ثم ظهر علينا من ينعتنا بالغرور والتبجح لأننا نتحدث دائما عن مهاراتنا وخبراتنا البحرية التي لم يعترف بها قادتنا الجدد. .
وأخيراً أسدلوا الستار على آخر فصول هذه المسرحية المأساوية, التي أغلقوا في نهايتها منافذنا البحرية, ووضعوا عليها الشمع الأحمر, فأعلنا الحداد على بحرنا الإقليمي, ورفعنا رايات الحزن على انكماش حدودنا البحرية نحو الداخل, ووقع الفأس بالرأس. . .