الضمير أو سوء المصير!! |
الضمير هو القوة الفاعلة في أعماق البشر والمؤثرة في السلوك والمواقف والإتجاهات , والسلطة التي تقرر ما يجوز فعله وما لا يجوز. وهو إحساس داخلي ورادع أخلاقي ومعنوي , وصوت يدعو إلى التمييز بين الخير والشر , والعدل والظلم , والضلالة والإستقامة. الضمير رقيب السلوك قبل وعند وبعد الشروع بأي عمل , ومعيار واضح ودقيق , ومحاسب وسواسي لا يترك شيئا إلا ووقف يتفحصه , ويعاين مدى صلاحيته وإيجابيته , ويستمد قوامه وعافيته ودوره من مجموعة القيم والمفاهيم والأعراف المترسخة في المجتمع والثقافة . والسلوك محكوم بسلطة الضمير , وإلا ينفلت ويتوحش ويتمادى بالفتك الفظيع. والبعض يراه مرتبطا بالنفس اللوامة , التي تعترض على النفس الأمّارة بالسوء , وتدخل في صراعات معها , بغية تحقيق الهدوء والوصول إلى مرتبة النفس المطمئنة. ومن أمراض السلوك إضطراب الشخصية السايكوباثية أو اللاإجتماعية , حيث تفقد أي أثر للسلطة الداخلية, فيغيب فيها وعي الضمير. وفي هذا الحال المضطرب تضيع المقاييس , وتتشوش المفاهيم , ويكون التفريق ما بين الخطأ والصواب , والخير والشر , حالة لا قيمة لها ولا معنى, وتتسيّد النفس الأمّارة بالسوء , وتؤكد إستبدادها وإمتهانها لتلك الشخصية اللاسوية. فالضمير هو بوصلة أمان لتحقيق الحياة الإجتماعية , التي تساهم في ديمومة التفاعل المرغوب. وعندما يغيب صوته , تتحقق سلوكيات مؤذية , وتُصنع المآسي والويلات المروعة. وفي كثير من الأحيان يتم إخماده , ومنحه إجازة إجبارية من أجل القيام بأفعال مشينة. أي عندما يبدأ الفعل المتوحش , يتغافل البشر عن ضميره ويدفنه في تراب الإنفعالات , ويحاول أن يجد له تبريرات ومسوغات للويلات , ليحقق راحته عندما يعود إليه. ومَن يتأمل ما يجري في عالمنا , يرى الضمير في غيبوبة تتمادى في إقامتها , مما ينذر بحصول فواجع مروعة قادمة. فقد أصابه الشلل , وقبع في دهاليز البغضاء والبهتان , فأخذنا نرى ونسمع ما يندى له جبين أبسط المخلوقات , من فظائع وجرائم وأهوال , يرتعش منها جسم الأرض , وترتعب الأجرام والأكوان. فظائع ما خطرت على بال مخلوق في أية بقعة كونية , يتم القيام بها بواسطة البشر ضد البشر , وتحت شعارات ولافتات وإدعاءات ذات معاني ومفاهيم عجيبة. إنّ الضمير اليقظ يأبى أن يقوم بفعل مشين , لأن بوصلته تعلن أن التفكير بالفعل أو الشروع به غير صحيح , ولا يمكنه أن يوفر راحة ضميرية للفاعل , ولهذا يرفض الفعل الذي يزعزع ثوابته ويفجر الآلام , ويقضي على مفردات الحياة المتعارف عليها في ميادين السلامة والبقاء. وبما أن الضمير بغيبوبة مأساوية وشلل تام , وفي أقفاص الأسر العدوانية والبغضاء الجهنمية , فأن البشرية ليست بخير , وتمضي إلى الهاوية , وربما ستواجه مأساة عالمية , أخذت تلقي بظلالها على مسيرة الأحداث , وتعدّ البشر للسقوط في مهاوي الردى المروعة , التي ستفني الملايين في غضون لحظات فقط. فغيبوبة الضمير هي التي جعلت البشر لا يأبه لما يجري , ويتمحور حول ذاته ويغوص فيها إلى حد الموت والهلاك , حتى تدور حوله الشرور وتقبض عليه , فربما يستيقظ ولكن متأخرا , وكأنه لا يشاهد فقرا موجعا , وجوعا مؤلما وأمراضا فتاكة , وحروبا متواصلة لا تهدأ , وتساهم في الدمار والتشرد , والفواجع المتكررة والمآسي المتعاظمة. وهكذا ترانا نقف بلا حراك أمام فظائع متكررة , يسقط فيها الأبرياء بالآلاف كل يوم , وبدون ذنب , إلا أنهم قد وجدوا أنفسهم صدفة في مصيدة الشرور المقيتة. الظلم يسود ويتجبر والضمير صامت ولا يمكنه أن ينادي بالعدل. الحروب تتنامى والضمير في سكرة النوم العميق. أبناء البلد الواحد في صراعات مؤلمة وقاسية , والضمير الفردي والجمعي في سبات الموت. فلا ضمير!! بل إنفعالات وقدرات غضب ومشاعر سلبية , لتسويغ الشر والهلاك , وبشر يتحرك بطاقة البغضاء والكراهية , وكأنه يسير في غابة مزدحمة بالوحوش الكاسرة, فتحفزت قواه وقدراته العدوانية , وقابلياته الإنعكاسية للرد الغاضب والقاتل لأخيه الإنسان. حتى صار على شفا حفرة من النار , والجحيم الذي أخذ يؤسسه على وجه البسيطة , التي ستحال إلى وجود ملتهب بجهده العدواني. ضمير غائت ووحش يفتك , والقيم والأخلاق تتمزق , والحب والأشواق تسألنا , والظلم والطغيان يتدفق منا , والجوع والفقر منهجنا , والحرب شر دائم يتملكنا , والحقد والبغضاء شرعتنا. فلنبحث عن الضمير! فهو الكلمة الطيبة , والعمل الصادق والرحمة والحب , والفضائل الإنسانية التي بسببها تحقق المجتمع وعبّر عن قدرات الخير فيه. وإنه فعل الخير الدائم , ومحاربة الشر بكل أنواعه ومستوياته. فالشر محرقة الضمير والخير بستانه وجنائنه الفواحة الغناء. الضمير هو الصدق والإيمان , وأن يمسح الإنسان دمعة أخيه الإنسان , ويزرع الإبتسامة على شفتيه. فهل من يقظة ضمير, ونداء حب ورحمة؟ ولينادي الإنسان نفسه وأخاه الإنسان! الضمير , الضمير , أو سوء المصير!!
|