إشكالية "الرمز" القيادي في ثوراتنا الإصلاحية والتغييرية .. رؤية مستقبلية لفشل تظاهرات ساحة التحرير القادمة

 

 

دعمنا سابقا الحراك الشبابي العراقي الذي أنتفض في مواجهة فساد وإرهاب حكومة حزب الدعوة المدعومة بريطانيا وإيرانيا. وكان همنا في ذلك الدعم والتأييد زرع بذرة النهضة الإصلاحية الشاملة في داخل الفكر الجمعي الشعبي العراقي، وقد حاولنا جاهدين أن يتجه الحراك نحو المزيد من التنظيم والتصعيد المبرمج والمدروس بعناية فائقة وصولا لثورة اصلاح وتغيير شاملة ضد حكومة حزب الدعوة وبريطانيا الداعمة لها.

وكدنا أن نوحد المتظاهرين والجماهير التي خرجت في عموم المحافظات العراقية في 25 شباط 2011 وقبلها في 2010، حول مطالب رئيسية تتعلق بالإصلاح والتغيير لبناء واقع عراقي أكثر أستقرارا وآمانا ورفاهية، فضلا عن بناء واقع سياسي وطني بعيد عن التحزب الأعمى والتبعية للخارج. ولكن مسعانا أصطدم بالكثير من المعوقات، التي وقفت دون أنجاح الحراك ودفعنا للإنسحاب منه.

ولا بد هنا من التأكيد أبتداء أن الحراك والتظاهرات الشعبية التي عمت أغلب المحافظات العراقية، كانت تحول نوعي وهام في وعي الجمهور العراقي والحركات الشبابية، نحو خلق تحولات لها تأثير كبير في صنع القرار السياسي في بلاد الرافدين.

وقد أستبشرنا خيرا بهذه التظاهرات والحراكات الشبابية النهضوية والإصلاحية في وجه الظلم الواقع على أبناء الشعب العراقي وضد الحكومة الفاسدة من الرأس وحتى أخمص القدم، ولكن الإستبشار وحده لا يكفي والخروج بتظاهرات شعبية وإن كانت حققت بعض أهدافها المرجوة منها وأخافت حكومة حزب الدعوة والبريطانيين والأمريكان وحلفاؤهم الإيرانيين، فمن اللازم والضروري أن تكون هناك قيادة وهيكل تنظيمي لهذا الحراك والتظاهرات الشعبية، وهو ما كنا ننادي به، وتنبأنا بفشل قيادة جماعية وانعدام القرار المركزي، وعدم وجود الطاعة لعدم وجود القائد.

حيث ان مجهولية القيادة الفاعلة المحركة وغيابها عن الظهور العلني في قيادة الحراكات الإصلاحية، لا يخلق واقعا ثورة ولا حركة إصلاحية، فلا ثمار في شجرة ليس لها راع أو حام، وهو للأسف ما بدأنا نشاهده اليوم في الدعوات التمهيدية التي تنتشر في مواقع التواصل الإجتماعية على شبكة الأنترنت، والتي اصبحت منثورة كإعلانات ومقالات في المواقع الألكترونية العراقية، والتي تمهد وتحشد لتظاهرات جديدة في شباط المقبل تزامنا مع الذكرى السنوية لإنطلاق الحركة التظاهرية التغييرية للشعب العراقي.

وكانت التظاهرات التي خرجت في شباط 2010 وشباط 2011 شهدت الكثير من الفوضى والتشتت، خلقت فجوة كبيرة في داخلها نفذت منها حكومة حزب الدعوة الظالمة إلى أعماق الحراك الشبابي، لتدميره وتسطيحه وأبعاده عن أهدافه الرئيسية التي قامت عليها ابتداء، فالتظاهرات تحولت من التغيير الشامل والإصلاحي إلى أنتقاد الوضع القائم في ذلك الوقت تبنته بعض منظمات المجتمع المدني ذات التوجهات العلمانية والشيوعية والتي اتخذت من الشعب العراقي وعقائده الدينية عدوا لها بدسها الشعارات الاستفزازية التي تسيء للإسلامي وللخالق، وتبنت فشل الخالق في تنظيم أمور عباده، والذين أحتجوا على قرار مجلس محافظة بغداد بإغلاق حانات الخمور بغض النظر عن معاني اليافطات التي تعلقها على ابوابها سواء كانت تحمل عنوان نادي اجتماعي او عنوان نادي ترفيهي أو عنوان نادي ثقافي وهي في الحقيقة بعيدة كل البعد عن مضمون هذه العناوين، وبعض القرارات الظالمة التي تهدف إلى تشويه صورة الإسلام مثل قرار وزارة التربية بمنع تدريس مادة الرسم والموسيقى في معهد الفنون الجميلة ورفع التماثيل التي تزين مدخله وتحطيمها، وايضا رفعت التظاهرات شعارات بعيدة عن مطالب الجماهير وهمومها، والكارثة التي حلت بالعراق والدماء التي اريقت وتراق يوميا كالاعتراض على قرارات مجلس محافظة بابل بمنع الرقص والغناء في مهرجان بابل، ومنع سيرك موني كارلو في البصرة عن العمل. فيما تجزأ قسم من شبابنا بسبب اعتصام العشرات منهم مع بعض الكتاب والادباء والاعلاميين وطلاب معهد وكلية الفنون الجميلة في ساحة الفردوس ببغداد، تضامنا مع حملة الدفاع عن الحريات التي نظمتها مؤسسة المدى للثقافة والفنون والتي تزامنت مع المظاهرات، وتسائل الكثير عن سبب الاعتصام بساحة الفردوس دون ساحة التحرير مع المتظاهرين. وامتد التضامن والتظاهر إلى محافظة السليمانية. فيما ضاعت الأهداف الحقيقية عن واقع التظاهرات الحراكية الشبابية، والسبب عدم وجود قيادة محركة ومنظمة.

ولا شك أن مجهولية القيادة، كان عنصرا هاما في دفع الكثير من القيادات الشعبية والسياسية والإجتماعية والدينية وبعض رجال الاعمال الداعمين للتظاهرة، لنفض يدها من هذا الحراك والتظاهرات الشعبية المطالبة بالإصلاح والتغيير، وهو ذاته ما دفع المرجع الديني الشيخ المهندس محمد اليعقوبي الأوسي في بيان رسمي له لإعتبار التظاهرات مثيرة للشك والتوجس لعدم معرفة الجهات التي تقف وراءها، مؤكدا عدم تحمله مسؤولية المشاركة بها.

أن نظرية "القيادة" كانت نقطة محورية، في الثورة الحسينية التي قادها الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) ضد ظلم وطغيان بني أمية، بأعتبارها واحدة من مستلزمات التهيئة للثورة وتعيين أهدافها ومساراتها وأساليبها، والثورة الاصلاحية التي قادها المرجع الديني الشهيد السيد محمد محمد صادق الصدر ضد واقع المرجعية الدينية في النجف الأشرف والواقع السياسي لحزب البعث، أهتمت بالرمز القائد والمربي الذي خلق الثورة ونماها ثقافيا وفكريا ونشر الوعي حولها، ومن ثم قادها بنجاح، رغم أن البريطانيين والصداميين حاولوا إخمادها بإغتيال السيد محمد محمد صادق الصدر، بأعتباره قائدا للثورة ورمزا لها، كما فعل يزيد بن معاوية، تجاه الثورة الحسينية للإمام الحسين (عليه السلام)، فشهيدنا الصدر الثاني كان هدفه الاصلاح السلمي دون اراقة دماء ورفع شعار فشل التغيير المسلح، وهذا ما اعلنه ورسخه في اذهان اتباعه من خلال محاضراته التي القاها قبيل استشهاده والتي حملت عنوان "اضواء على ثورة الإمام الحسين" حيث قال: "ان الاصوب والاحجى لكل جيل هو ان ينظر الى تكليفه الشرعي امام الله سبحانه. هل هو التضحية او التقية؟، ولا شك ان التكليف الغالب في عصورنا هذه ــ عصور الغيبة الكبرى ــ هو التقية وليس التضحية، لمدى تآلب الاعداء وترصدهم في العالم ضدنا من كل صوب وحدب بدون وجود طاقة فعلية عند ذوي الاخلاص لمقاتلتهم ومضادتهم. ومن تخيل القابلية فهو متوهم، وسوف يثبت له الدهر ــ اعني التجربة ــ وهمه. والافضل له العمل بالتكليف الفعلي، وهو التقية المنتجة، بحفظ اهل الحق من الهلاك المحقق، في أي نقطة من نقاط هذا العالم المعروف". وكل من حمل السلاح واراق الدماء لاي سبب من الاسباب ويدعي انه من اتباع السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر فهو كاذب ومحرف وبهات وعدو من اعداء شهيدنا الصدر الثاني.

فإن القيادة وجود لازم لاغنى عنه، ذلك لأن الثورة الإصلاحية بالضرورة، لابد ان تكون عملاً منظماً يستهدف إحداث تغييرات جذرية في الأوضاع القائمة، وذلك لايأتي اعتباطا، والا تحولت الثورة الإصلاحية الى فوضى أو إضطرابات تفقد مبرراتها، كما التفت لها سماحة المرجع اليعقوبي في احدى تقييمه للثورة التي ليس لها قائد، وستجدونها على الرابط التالي تحت عنوان: "الشيخ اليعقوبي ونظرته لمفهومي التغيير والإصلاح" 

http://aliraqtimes.com/ar/page/06/12/2012/1420/%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%8A%D8%AE-%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%B9%D9%82%D9%88%D8%A8%D9%8A-%D9%88%D9%86%D8%B8%D8%B1%D8%AA%D9%87-%D9%84%D9%85%D9%81%D9%87%D9%88%D9%85%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%BA%D9%8A%D9%8A%D8%B1-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B5%D9%84%D8%A7%D8%AD.html

ففي عام 1991 وبعد إجبار حزب البعث المنحل على الإنسحاب من الكويت، انطلقت تظاهرات كبيرة في أغلب المحافظات العراقية سميت يومها بالإنتفاضة الشعبانية، لم تظهر في تلك الإنتفاضة قيادة معروفة، وبالتالي قمعت الإنتفاضة، حيث أن مرحلة التغيير في ذلك الوقت لم تكن قد نضجت بعد، وبريطانيا كانت لا تزال ترتب أمورها للبدء بمرحلة جديدة. كي يتجه لاحقا الى الإطاحة بأول حجر من أحجار (الدومينو) العربية، تلتها سقوطا العديد من الأحجار، فيما لا يزال بعضها ينتظر.

والقيادة في الإصطلاح هي (القوَد) نقيض السّوَق، يقال: يقود الدابة من أمامها ويسوقها من خلفها. ويمكن أن نستشف من هذا التعريف إن القائد يتصدر الجميع ويقودهم إلى ما ينفعهم ويرشدهم لما يحقق أهدافهم فمعنى أن تقود هو أن تكون في المقدمة. وعرفت القيادة على أنها عملية تحريك مجموعة من الناس باتجاه محدد ومخطط وذلك بتحفيزهم على العمل باختيارها، فيما عرّفها بعض العلماء الذين اهتموا بدراسة القيادة على أنها مركز أو وضع رسمي يضفي على شخص معين في مؤسسة أو منشأة أو تنظيم معين، كما عُرفت على أنها مجموعة السمات والقدرات التي تجعل من شخص معين صالحاً للقيادة الإدارية، وعُرفت أيضا على أنها تفاعل بين شخصية القائد والاتباع من حيث حاجاتهم واتجاهاتهم ومشكلاتهم والجماعة نفسها من حيث بناء العلاقات بين أفرادها وغير ذلك من خصائص الجماعة، والمواقف التي تواجهها الجماعة، كل ذلك في إطار من إدراك القائد لنفسه وإدراك الآخرين له وإدراك القائد لهؤلاء الآخرين والإدراك المشترك بين القائد والآخرين للجماعة والموقف.

التظاهرات الحراكية الشبابية التي تعتزم الخروج بتظاهرات جماهيرية في بغداد والمحافظات العراقية، عليها أن تدرك الأخطاء التي وقعت فيها سابقا وتعمل من اليوم على التوجه لرمزها القيادي الذي تؤكل اليه مهمة قيادة الثورة التغييرية والإصلاحية المقبلة، وتشكيل مجلس من الحراكات والقوى الشبابية، لتنظيم التظاهرات والأرتفاع بسقف المطالبات الإصلاحية والتغييرية، فدماء الشباب ستكون في أعناق من يدعو لمثل هذه التظاهرات من دون أن ينظمها ويدرسها ويحدد خياراتها وقيادتها وأخيرا فشلها لا سامح الله، أنا في هذا المستوى من التفكير لا اريد اثباط عزيمتكم فانا اكثر المتضررين من نوري المالكي وحزبه ورأس الافعى بريطانيا التي بذلنا في سبيل كشف زيفهم واهدافهم الخبيثة دما طاهرا، دم شقيقي الشهيد السعيد محمد مصبح الوائلي، وايضا الحرب الاعلامية التسقيطية التي شنتها بريطانيا بواسطة الاعلام التابع لها ومن خلال بعض الاقلام المأجورة المسمومة وبعض المواقع الالكترونية، وكذلك تحريك بعض الدول العربية من اجل تسقيطنا اجتماعيا، ولكن قدمت الواجب والمصلحة العليا لبلدنا الحبيب وشعبنا المظلوم، ولي شاهد على مثل هذا الموقف من تأريخ أئمة اهل البيت (ع) قد ذكرته في سنة 2002 قبل الاحتلال في بيان وجهته للسيد محمد باقر الحكيم في ذلك التاريخ ردا على انتهاكه لحرمة الشهيد الصدر الثاني بعد استشهاده، وها انا اعيده للفائدة.

فعندما تحرك الخراسانيون للثورة على بني أمية جاءوا إلى الإمام الصادق (ع) وعرضوا عليه قيادة حركتهم أو اعطائها الشرعية فرفض الإمام بشكل قاطع، لانه يدرك بان الاستعمار البيزنطي يقف وراء هذه الثورة المزيفة، علما انه اكثر المتضررين من بني أمية، وكما لا يخفى من تأريخ العلاقة بين الأئمة والسلطات ولكن الصادق كان ينظر بنور الله وكان يحمل مسؤولية هداية أمة. ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة، وما اشبه اليوم بالامس، فانا اكثر المتضررين من نوري المالكي وحزبه وبريطانيا ومع ذلك لا اريد اراقة دماء ابناء شعبي واحداث فوضى التي سيستفيد منها العدو الاوحد الذي جاء بالبعث ونوري المالكي وحزب الدعوة وسلطه على رقاب الشعب العراقي ليصبح شغله الشاغل ويبعد الانظار عن اهدافه وغاياته وسلب خيرات العراق واستنزاف ثرواته الطبيعية ناهيك عن نشر الجهل وتغيير ثقافاته وابعاده عن قيادته الصالحة