البراعم وخطر الموت المحتوم



لم تكن تلك الزيارة الاولى لذلك المكان فقد زرته مرات بعدد اصابع اليد وبعد كل زيارة كنت العن القدر الذي حتم ذلك المصير لهؤلاء البراعم , بل كنت اضم اطفالي الى حضني عند عودتي الى المنزل واحمد الله على نعمته التي انعم بها عليّ وعليهم , فشبح ذلك المنظر لا يفارق مخيلتي التي عودتها ان لا تفوت رسم تلك المشاهد الانسانية وتذكيري بها لأتعظ ولأمارس دوري الانساني والاخلاقي في تقديم ما استطيع من مساعدة . اعرف انكم تتشوقون لمعرفة المكان ومضمون الحدث لكنني تعمدت ذلك لرسم علامة استفهام بمخيلتكم حتى لا يفوت الحدث مر الكرام اثناء المطالعة , نعم .. الحدث خطير والضحية براعم بعمر الورد كُتب عليهم ان يولدوا ويعيشوا امواتاً , والمكان هو مركز مرضى الثلاسيميا في ذي قار , اما الحدث والصورة تصريح مدير المركز " يولد كل شهر في الناصرية ( ثمان أطفال ) مصابين بذاك المرض " ومصيرهم الموت المحتوم ولو بعد حين . ولمن يتسأل عن الثلاسيميا فالطب يجيب (مرض وراثي دموي أصله من منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط وينتج هذا المرض عن خلل الجينات يسبب فقر الدم المزمن ، وهو مرض قد يسبب للوفاة عند المصابين ويسمى " فقر دم البحر الأبيض المتوسط " مريض التلاسيميا يحتاج إلى نقل متكرر للدم (من 3 إلى أربع أسابيع) وطوال عمر المريض ينتج عن تكرار نقل الدم مشاكل كثيرة ) . زرت ذاك المكان المرة الاولى برفقة رجل نذر نفسه والوقت والجهد لخدمة هؤلاء المرضى لأنه فقد اثنين من ابنائه خطفهم ذلك الشبح المخيف فقرر ان يحاربه حتى النهاية وقد اسس مؤسسة تعنى بالمرضى اسماها ( جمعية الايثار لإغاثة مرضى الثلاسيميا في العراق ) وعمل على التعريف بهذا المرض والمخاطر الناجمة عنه وكيفية القضاء عليه في المستقبل , وقام بأرسال العديد من المرضى الى خارج العراق لغرض العلاج بالتنسيق مع وزارة الصحة العراقية . وكانت لي زيارة قبل يومين برفقة هذا الرجل ايضاً لمرضى الثلاسيميا حيث كانت الصدمة من الزيادة الملحوظة بارتفاع عدد المرضى من الاطفال , والمعاناة الكبيرة التي ابداها اولياء امورهم بسبب شحة العلاج ونقل الدم وعدم وجود تحسن في حالة ابنائهم , ولا اخفيكم تعرضنا للنقد من احد الاولياء كون المحافظ السابق قد وعدهم بتخصيص قطع اراضي للمرضى اثناء الحفل الكبير الذي اقامته الجمعية العام الفائت على بهو الناصرية وتم تكريم المرضى وعوائلهم , وكانت مجرد وعود كما قيل بل ان ما يسمى علاج اليوم هو وعود بالشفاء ايضا وقد يفارقنا فلذات اكبادنا في اية لحظة تاركين لنا البؤس والشقاء في حياة لا تعرف سوى الوعود .