مناسبة هذا الحديث، ثلاث وقائع، الاولى ما يجري في مطار بغداد من انفلات ضوابط النقل، وانخراط شرطة هذا المرفق الحساس في عمليات ابتزاز المسافرين، والثاني، ما يجري من مخالفات في دوائر الجنسية من قبل افراد يقولون لك وهم يستلمون الرشوة ان للضباط والمسؤولين الحصة الاكبر فيها، والثالث، يتعلق بشرطي نبيل يقف حارسا في احد المرافق المالية رفض بإباء استلام رشوة وقدم الراشي الى المساءلة والتحقيق، وكنت شاهدا على الواقعة الثالثة. واذا ما اعدنا الى الذاكرة تلك البديهية الاستفزازية التي تقول ان الذي يقدم رشوة الى موظف مستعد، في مكان آخر، ان ياخذ رشوة، وان الراشي هو جانٍ آخر في الدلالة القضائية كجزء من عملية التعدي على القانون، فاننا سنقف عند مشهد اجتماعي واخلاقي مفزع، اخذا بالاعتبار جملة مما نعرفه من وقائع عن انتشار ظاهرة الرشوة، افقيا وعموديا، في دوائر الحكومة، مما لايُستثنى منها إلا القليل. يكفي القول، طبقا لمفتش عام في دائرة من دوائر الداخلية، بان جميع مراكز الشرطة في العاصمة والمحافظات تتعاطى الرشوة وان الاستثناءات من ذلك تخص افرادا، هنا وهناك، وان بعض الاستثناءات سلبية بالمعنى الذي يقف فيه الفرد (ضابطا او شرطيا) متفرجا على المخالفات من دون ان يتصدى لها، خشية ان يُنكل به، او تناله سخرية زملائه، والنتيجة واحدة: ان الرشوة تنخر مفاصل جهاز توكل له مهمة مكافحة الرشوة. اما النتيجة المفزعة التي يُعترف بها في بيانات الحكومة والجهات الرقابية وتصريحات المسؤولين، فهي تتمثل في ان الرشوة هي احد معابر الجماعات الارهابية وعصابات الجريمة المنظمة وصفقات الفساد المختلفة، وينبغي التذكير بالاختراقات المتكررة للنظام الامني الوطني للبلاد من ثغرات الرشوة، ومن بوابتها الحساسة في جهاز الشرطة وهياكل الحراسات والسيطرات وقياداتها، ويؤكد المفتش العام نفسه، القول "ان وزارة الداخلية عاجزة عن كبح هذا السرطان في مرافقها بوسائلها الحالية" فكيف لها ان تكافح الرشوة في دوائر اخرى؟. القوانين تقول ان الرشوة هي فرض مقابل غير مشروع للحصول على منفعة معينة، وهي ممارسة غير مقبولة ناتجة عن تعسف في استعمال السلطة، واستغلال الموظف لسلطته التقديرية وخيانته للأمانة سعيا وراء تحقيق دخل اضافي بطريقة غير مشروعة، أما الراشي فهو يمارس الرشوة جهلا بالقانون أو استغلالا لجشع الموظف بغية الحصول على الرخص والصفقات والتملص من الضرائب. وبعض الرشى ياخذها حراس الامن لتمرير سيارة مفخخة، او لترخيص مذبحة، او لتهريب قتلة من قبضة العدالة.. في حين يغطُ مسؤولوهم بالنومة، التي قال عنها عزيز علي: "أحسن نومه بمذهبي".
"إذا أشكلَ عليك امران لاتدري ايهما اشدّ فخالف اقربهما الى هواك.. فان اكثر ما يكون الخطأ في متابعة الهوى". السهروردي
|