زيارات مصالح متبادلة

 

 

لا احد يستطيع ان يعد الزيارات المكوكية بين الحكومتين الاتحادية واقليم كردستان منذ 2003 والوفود التي شكلت لهذا الغرض فضلا عن اللجان التي انبثقت عنها ، والاتفاقات التي ابرمت بين الجانبين ، بهدف معالجة المشاكل العالقة بينهما ، واخرها الزيارة المتبادلة التي قام بها رئيس الوزراء العراقي"نوري المالكي"الى عاصمة كردستان"اربيل"ورئيس الاقليم"مسعودبارزاني"الى بغداد بشكل مفاجيء دون ان تسفر عن نتيجة تذكر ، كالعادة احيطت الزيارة بسرية تامة ولم تتسرب تفاصيلها الى وسائل الاعلام ، ولم يعرف احد لحد الان سر التقارب المفاجيء بين العدوين اللدودين وكيف انقلبا فجأة الى صديقين حميمين ، يزوران البعض وينادي احدهما الاخر بالكنية المحببة لديه؛"بارزاني"ينادي"المالكي"بأبواسراء والمالكي ينادي"بارزاني"بـ"ابـو مسرور"ويستقبل احدهما الاخر بالحفاوة البالغة !، ولكن رغم هذا التقارب المريب ، لم يحدث اي انفراج في المشاكل القائمة بين الطرفين ، وظلت الحالة المأزومة على ما عليها لم يطرأ عليها اي تغيير ، والسؤال الذي يطرح نفسه ؛ هو اذا كانت هذه الزيارات والاجتماعات التي تعقبها لا تفضي الى نتائج تذكر ولا تساعد على حل الازمات ، فما الهدف منها ؟ ولماذا تعقد عليها الامال الكاذبة؟ الاكيد ان الزعماء المجتمعون يعلمون علم اليقين ان هذه الاجتماعات والمؤتمرات لا تؤدي الى حل جذري للقضايا المهمة مثل ؛ المسائل الامنية المتدهورة والمنازعات الحدودية بين الحكومتين المركزية والاقليم وقضية"كركوك"التي عولجت دستوريا وفق المادة 140 او التصويت على قانون النفط والغاز في البرلمان والفدرالية وغيرها من المسائل الاستراتيجية المهمة التي تتعلق بمصير العراق والعراقيين مباشرة ، الا اذا سمحت لهم امريكا ودول الجوار الاقليمي وتلقوا الضوء الاخضر منها ، فالعراق كما هو شأن دول المنطقة محكوم بسياسات والتزامات دولية لايمكن خرقها او الخروج عنها ، فهو ليس حرا يفعل ما يشاء ، في الوقت الذي يشاء ، مهما تخلص من العقوبات الدولية وخرج من طائلة البند السابع واصبح دولة ذات سيادة ، فهو مرتبط بقوانين دولية لا يمكن تجاوزها او التفريط فيها ..

باعتقادي ان التقارب الحاصل بين الرجلين القويين في العراق"المالكي"و"بارزاني"، تقارب سياسي وليس للبحث عن حل للمشاكل العالقة ، الهدف منه دعم ومساندة احدهما لمنطقة نفوذ الاخر في مواجهة المخاطر التي يتعرضان لهما من قبل معارضيهما ؛"بارزاني"واجه معارضة قوية في تمديد ولايته للمرة الثالثة لرئاسةالاقليم ولولا تأييد حليفه الاستراتيجي المشارك له في الحكم"الاتحاد الوطني الكردستاني"بقيادة"جلال طالباني"لما استطاع ان يحصل على تمديد لسنتين في حكم الاقليم من البرلمان الكردستاني ، و"المالكي"يواجه نفس المشكلة ، فالاحزاب والكتل المعارضة لسياساته ومن ضمنها تلك المتحالفة معه داخل"التحالف الوطني الشيعي"ترفض التجديد له لولاية ثالثة ، ناهيك عن المظاهرات والاحتجاجات السنية المتواصلة التي تهدد سلطته وتعجل بنهايته ، فهو اذن بحاجة الى دعم التحالف الكردستاني الذي يقوده"بارزاني"فعليا ، فالمصلحة السياسية المشتركة لكلا الزعيمين تفرض عليهما ان يتعاونا مع البعض ، ويؤيد احدهما سياسات الاخر الى اقصى حد ، مهما ادعى الاكراد بمساندة الحقوق المشروعة للقوى القومية السنية وتأييد اعتصاماتهم ، فانها ستظل العدو التقليدي الذي طالما وقف سدا منيعا امام تحقيق احلامهم القومية واقامة مشاريعهم التاريخية ومنها المادة(140) ، فلا غرو بعد ان يجاهر التحالف الكردستاني بعدم اعتراضه على ولاية ثالثة للـ"مالكي"، وهو بدوره يهنأ"بارزاني" على تمديد ولايته في رئاسة الاقليم لمدة السنتين بعد الدورتين في الحكم (كل دورة اربع سنوات)، ولم يأت هذا التقارب بناءا على المصالح السياسية المشتركة بين الزعيمين فحسب ، بل جاء ايضا لتحقيق اهداف ومصالح ايرانية وامريكية اللتين مارستا ضغوطا واسعة على الطرفين لجرهما الى التهدئة وابداء مرونة سياسية مشتركة وازالة التوتر القائم ، فالعراق والمنطقة"المشتعلة"لا تحتاج الى زيادة في التوتر السياسي .. ومن المحتمل ان تتم زيارات اخرى متبادلة بين الزعيمين وزيادة في التعاون المشترك من اجل تثبيت وجودهما في التطورات السياسية اللاحقة .