أمريكا تستنفر أساطيلها ضد سوريا ومصر
 
 
 
من يعمل هذه الأيام على السفن التجارية في عرض البحر الأبيض المتوسط يستطيع أن يسمع ترددات النداءات الأمريكية, التي تطلقها السفن الحربية الأمريكية والبريطانية والفرنسية المسلحة بالشر, ويستطيع أن يرى فرقاطاتها ومدمراتها وبوارجها وحاملاتها وغواصاتها وحواماتها المتوجهة نحو مقتربات المياه المصرية والسورية, وربما يتلقى نداءاً استفساريا منها على قناة (16) بجهاز (VHFللإجابة على أسئلتها الروتينية, التي يراد منها إشعار السفن التجارية بتواجدها في المنطقة, وبات من المسلم به إن مخطط مشروع القرن الأمريكي, الذي وضعه بعض المحللين تحت عنوان:
(إعادة بناء الدفاعات الأمريكيةRebuilding American Defenses)
يهدف إلى نشر القواعد الأمريكية في المناطق الساخنة حول العالم, ويهدف إلى تخصيص قوة ساحقة لكل قطاع من قطاعات كوكب الأرض, وربما صارت الحاجة إلى تكثيف التواجد البحري الأمريكي في حوض المتوسط أكثر إلحاحاً من ذي قبل بعد اكتشاف حقول الغاز فيالمسطحات البحرية المصرية والسورية, فكان حقل (ليفياثان) هو الحافز التعبوي الذي استجلب القطعات الحربية الأمريكية, وهو المؤجج الرئيس لما نشاهده من الاضطرابات في البلدان المطلة على هذا الحوض الفاصل بين أوربا القوية الموحدة وأفريقيا الضعيفة الممزقة. .
لقد تعمدت الإدارة الأمريكية منذ أعوام إجراء بعض التعديلات الجذرية على أجهزتها التشريعية والتنفيذية وبما يلاءم وحدة الهدف, فانتهزت أحداث سبتمبر وما لحق بها من تغيرات مفتعلة بعد احتلال العراق, لتقوم بحملة شاملة ضد الحكومات العربية والإسلامية المعارضة لمساعيها التوسعية, فصنفتها من ضمن الدول الراعية للإرهاب, وتركز هجومها في بداية الأمر على سوريا وإيران وتركمانستان, ففرضت عليها العقوبات الاقتصادية لإضعافها وتقويض استقرارها, تمهيدا للقضاء عليها, وعززت في الوقت نفسه القدرات التعبوية للقيادة الوسطى الأمريكي, فمنحتها صلاحيات واسعة لممارسة الضغط على الأقطار المناوئة لسياسة البيت الأبيض. .
وهكذا تكاملت منظومات إخضاع المنطقة برمتها لمشروع القرن الأمريكي, بالاتجاه الذي يجعل من إسرائيل هي الوكيل الاستباحي المفوض أمريكيا للقيام بعمليات الإشراف على شؤون المنطقة, وإدارة أعمالها, ومراقبة تحركاتها, والعمل على تطبيق أطروحات المفكر السياسي اليهودي (ليو شتراوس), التي أكدت على ضرورة مواصلة التآمر ثم التآمر ثم التآمر المقرون بشن الغارات العدوانية, والمصحوب بسفك المزيد من الدماء, وصولا إلى تأجيج براكين الفوضى الخلاقة اللازمة لإخضاع بلدان الخليج العربي أولاً, ثم بلدان البحر الأبيض المتوسط, وضمها بالقوة لمنظومة الدول التابعة للقوة الأمريكية الغاشمة.
لقد ترسخت فكرة التفوق في عقول القادة الأمريكان بعد الحرب العالمية الثانية, وأشار (كارل بيكر) في كتاباته عام 1947 إلى تنامي الدور الأمريكي عند استعراضه لتعاقب الإمبراطوريات من البابلية إلى الرومانية إلى الاسبانية إلى البريطانية ثم توقف عند (الإمبراطورية) الأمريكية, وتحدث (رالف فلاندر) كثيرا في محاضراته, التي ألقاها بجامعة هارفارد عام 1950 عن بزوغ فجر الإمبراطورية الأمريكية, فتنامت قوتهاونشرت سفنها الحربية حول الجزر والسواحل العربية في الخليج والمتوسط وعند القرن الأفريقي, وبنت قوتها الذاتية من ثروات البلدان المتواطئة معها, فتجبرت وتكبرت وطغت طغيانا عظيما, وتعالت في فضاءات الطيش والغرور, متباهية بقوتها الهمجية الضارية, فعبرت المحيطين الأطلسي والهادي حاملة معها تطلعاتها الإمبراطورية نحو امتلاك ناصية التسيد على النظام العالمي الجديد, الذي تقوده هي بعنجهيتها التوسعية المتنامية, متأرجحة في مواقفها الاستعلائية بين مبدأ (القوة) الذي صاغه روزفلت, ومبدأ (المثالية) الذي صاغه ويلسون, لتلعب في القرن الواحد والعشرين دورها الإمبراطوري من اجل تحقيق أحلامها بإخضاع البلدان العربية المتوسطية لإرادتها. . .
فاختارت التمركز بأساطيلها الحربية في المياه المحصورة بين حلفائها (إسرائيل وتركيا وقبرص والأردن), وبين خصومها (مصر وسوريا ولبنان), إذ ليس من باب الصدفة أن يأتي تمركزها هنا فوق الحدود الافتراضية لحقول (ليفياثان) الغازية الجبارة, وهي الآن على أهبة الاستعداد للمجازفة وخوض مغامرتها الجديدة الطائشة بمباركة فقهاء البنتاغون وأئمة الناتو. .
والله يستر من الجايات