لاشك أن وسائل الإعلام بكل ما تمثله من هيمنة وانتشار قد تركت آثاراً سيئة بالغة الخطورة - على شخصية المرأة المسلمة المعاصرة، وتختلف هذه الآثار من مجتمع لآخر، ومن امرأة لأخرى، كما تختلف أساليب الإعلام في التأثير والتوجيه، فمنها ما يكون قصير المدى تظهر نتائجه مباشرة، ومنها ما يكون ممتداً في فترة زمنية طويلة، ليتم على أثره التغيير الكامل في المواقف والقناعات.فبعض النماذج من آثار الإعلام يؤثر في إفساد المرأة المسلمة فلعل أبرزها وأشدها خطراً هو فقدان المرأة المسلمة لهويتها الإسلامية، فالحملة الإعلامية الموجهة نحو المرأة المسلمة تكرس نموذج المرأة الغربية على أنه النموذج القدوة، وبالنتيجة فإن المرأة المسلمة تنقاد نحو التقليد الأعمى لهذا النموذج. اما الفراغ الفكري فهو خطر اخر يهدف الى تهميش المرأة والتعامل معها من قبل الإعلام الموجه على أنها جسد وحسب، وحصر اهتماماتها بدائرة ضيقة، ابتداءً من الاهتمام بالشكل والموضة وعمليات التجميل، وانتهاءً بكيفية استغلال المرأة لامكاناتها الشكلية للفت انتباه الآخر! مما يخلق فراغاً روحياً وخلطاً عجيباً بين الغايات والوسائل. فالمفهوم الإسلامي للجمال يتبلور في أنه وسيلة تأخذ منه المرأة قدراً لتحقق به أنوثتها، بينما يزرع الإعلام الآخر في حس المرأة أن الجمال المظهري غاية تستحق أن تعيش من أجلها؛ وهكذا حرف هذا الإعلام المرأة، وحرمها من أداء دورها ورسالتها في الحياة. إن الحقيقة التي يفترض أن نعترف عليها هي افتقار الصحوة الإسلامية ذات الرصيد الجماهيري، إلى الإعلام الشامل والفاعل والقادر على إيجاد بدائل مسموعة -مرئية- مقروءة، وإن كانت هذه الخطوة متأخرة وضئيلة مقارنة بمسيرة الإعلام الآخر، إلا أنها ستزرع الأمل بنقلة نوعية فيها ردة الفعل نفسه. وهذه الحقيقة المرة ستظل معضلة حقيقية نعاني معها حتى إيجاد الإعلام الإسلامي المنافس. وتنحصر رؤية الإعلام الإسلامي تجاه الإعلام الآخر على أنه عدو ويجب بغضه ومقاطعته، وهو الموقف الأسهل دائماً! إلا أن المقاطعة ستبقى حلاً مؤقتاً، لو ناسب مرحلة زمنية معينة افتراضاً، فإنه لن يناسب المراحل التي ستليها يقيناً، وكان يفترض أن يثمر هذا الموقف - على الأقل - عن دراسات ومشاريع إعلامية مستقبلية تساهم في إزالة الرهبة من خوض التجربة الإعلامية لدى الإسلاميين، وتشعرهم بأن هذا الاهتمام الكبير بالمرأة المعاصرة من قبل الإعلام الآخر، إنما هو تحكم في مستقبل هذه المرأة وصياغة جديدة لاهتماماتها على غير ما نريد! فليس من المنطقي أمام ثورة تقنية ضخمة لوسائل الاتصال أن نربي الجماهير على الانعزال ونحرمها من التكيف الإيجابي عبر إيجاد البديل الهادف الذي يحفظ خصوصيتنا العقائدية والثقافية. وثمة ملامح أولية لهذا التكيف منها ضرورة توعية الأمة بأهمية الإعلام والتذكير بأننا أمة قام تاريخها المجيد من خلال وسائل إعلام ومنابر ارتفع منها صوت الخير والنصر والإرشاد.و تحريض النخب من ذوي الخبرات المهنية والميدانية، لتقديم رؤاهم ومعالجاتهم، للاتكاء عليها في بداية التجربة. وصناعة البدائل الإسلامية في مجال الإعلام بمختلف فنونه، على أن تكون هذه البدائل ملتزمة بالرؤية الإسلامية، ومؤطرة بالمرجعية الشرعية. ان ما نكتبه الان لايعدو سوى ومضات أمل بأن ترفع الأمة راية جهادها الإعلامي، فتخوض معركة الكلمة والمعتقد في زمن تجوبه الأقمار الصناعية، وتسود فيه الذبذبات الإذاعية ليل نهار.
|