جامعة ''النّاتو'' العربيّة... وشَرعنة العدوان ضدّ سورية...؟!

 

  

باتت وصفة التدخل الخارجي هي البلسم السحري، لمداواة علل جامعة ''الناتو'' العربية، يفلسف استطبابها جيش أمراء وشيوخ النفط، الذين ترعرعوا في أحضان الغرب الاستعماري، ونهلوا من ثقافته، وانخرطوا وتدربوا على أيدي أجهزته الاستخبارية، وامتزجوا بأدبيات مصالحه التي تبدأ بتوسيع مناطق نفوذه، ولا تنتهي بحملات الغزو السافر الذي يشهد العالم نماذج من تطبيقاته في أكثر من موقع على الخريطة الكونية، وخصوصاً في منطقتنا العربية المسكونة بالعلل والفراغ وتبخر الوعي القومي، وما يستتبع كل ذلك من مغريات التدخل الخارجي!

ومن مآسي هذه الجامعة المستعربة، أن حمّلت الحكومة السورية المسؤولية التامة عن الهجوم الكيميائي المفترض على الغوطة بريف دمشق، وذلك في بيان أصدره مجلسها عقب اجتماع طارئ له على مستوى المندوبين الدائمين، الذي شهد تصاعداً في حدة الخلافات بين جبهة الدول الخليجية، وكل من الجزائر والعراق، حول إدانة السلطات السورية، وتحميلها المسؤولية جراء ما شهدته الغوطة.  وأكد المجلس ضرورة تقديم جميع أشكال الدعم المطلوب للشعب السوري للدفاع عن نفسه وضرورة تضافر الجهود العربية والدولية لمساعدته. ودعا المجلس المجتمع الدولي ممثلاً في مجلس الأمن ''للاضطلاع بمسؤولياته وتجاوز الخلافات بين أعضائه وذلك عبر القيام بالإجراءات الرادعة واللازمة ضد مرتكبي هذه الجريمة التي يتحمل مسؤوليتها النظام السوري، ووضع حد للانتهاكات وجرائم الإبادة التي يقوم بها النظام السوري منذ أكثر من عامين''. 

فالجامعة المستعربة التي تجردت من كل القيم الأخلاقية هللت للأمر على الطريقة ذاتها عندما استجدت ''الناتو'' لتدمير ليبيا، فصدقت الكذبة الكيماوية مع أنها شريكة في صنعها وترويجها، وحملت الحكومة السورية المسؤولية، لتشرعن بذلك أي عمل عسكري محتمل ضدها، أما آل سعود وباعتبارهم من يقودون دفة التآمر اليوم ففتحوا خزائنهم لتمويل العدوان، لأن محاولة إسقاط سورية تعني بالنسبة لهم التخلص من الفكر القومي والعربي الذي يقض مضاجعهم، ويهدد بإزالة عروشهم المتهالكة.

في الواقع، لا يخفى على المتابع مدى الارتباط الوثيق بين مسلسل الكيميائي والتلويح بالخيار العسكري، بل يبدو الأمر وكأن هذا المسلسل تم الترتيب له مسبقاً لاستجلاب الخيار العسكري، وفي الأساس، كيف يمكن فهم المشاورات الأميركية ـ الإسرائيلية العالية المستوى بشأن سورية والتي سربتها صحيفة ''يديعوت احرونوت'' بشأن احتمال توجيه ضربات عسكرية لسورية والتنسيق المسبق بشأن ذلك؟ وكيف يمكن فهم تحركات رئيس مجلس الأمن القومي السعودي بندر بن سلطان من موسكو إلى لقاءاته بقادة الائتلاف السوري الذين دعوا الغرب إلى التدخل العسكري؟ وكيف يمكن فهم مجمل التحرك العسكري الجاري على جبهة الأردن واجتماع قادة عسكريين من عشر دول لبحث الأزمة السورية أمنيا؟ وكيف يمكن فهم استباق الولايات المتحدة كل ما سبق بإرسال العديد من السفن والمدمرات الحربية إلى البحر المتوسط والحديث عن ضربات صاروخية من البحر؟

 

ويدرك كثير من السياسيين والمعنيين والمتابعين خطورة الوضع وتوسع دائرة العنف إذا ما تفجر حرباً محدودة أو غير محدودة من جراء العدوان الخارجي على سوريا، ويدركون في الوقت ذاته أن الطبيعة العدوانية للغرب الاستعماري عامة وللصهيونية والولايات المتحدة الأميركية بخاصة لا يمكن لجمها أو إدخالها في النطاق العقلاني ـ القانوني ـ الحضاري ـ الإنساني المسؤول... فقد اعتادت على ممارسة الجريمة بذرائع شتى، وأدمنت ازدواجية المعايير، ولم تستيقظ بعد على حقيقة التغيير الذي يطلبه العالم ويسعى إليه...

وما من شك أن ما يثلج صدر ملوك النفط العربي وأمرائه، هو أن يروا اللحظة التي يستطيعون من خلالها إسقاط العروبة في أي بلد من بلدان الوطن العربي، وعلى رأس هذه البلدان سورية، لا بل يوجد من هؤلاء من يعد كلمة عروبة خروجاً على الدين الحنيف، ومؤامرة صليبية على الإسلام، وبخاصة بعد أن طوى الإسلام السياسي أعلام الجهاد فيما يخص القضايا العربية المصيرية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية ليصبح في دائرة الرضا الأمريكي.

ويبدو أن بعض أنظمة جامعة ''الناتو'' العربية التي أخذت على عاتقها استكمال المشروع التآمري على سورية لم تعد تخجل من الافصاح عن عمالتها للصهيونية العالمية، من خلال دعواتها الواضحة والصريحة لتدمير سورية وتخريبها، عن طريق استجداء التدخل العسكري الأجنبي.

 

عرب جامعة ''الناتو'' العربية الذين يطلون علينا اليوم من منبر جامعة مستعربة، يعرفون أن مصطلح التدخل الخارجي هو الوجه الآخر، لعقيدة الاستعمار القديم التي يراد إحياؤها تحت عنوان إسقاط النظام السوري، دون التنبه إلى الكلفة الكارثية التي سوف يدفعها السوريون من لحمهم ودمهم ومواردهم ومنظوماتهم الاجتماعية، بفعل أي تدخل خارجي يستبطن غزواً استعمارياً مجرداً من أي دافع إنساني كما يحاول بعضهم أن يختلق مبرراً لعصفه المجنون، هؤلاء الأعراب الجدد لم يتوسلوا ميزاناً عاقلاً للتحولات الجارية في المنطقة العربية، على إيقاع نبض الحرية، و إرهاصات التغيير المدني الديمقراطي، لأن هذه التحولات لا تعنيهم، بقدر ما يعنيهم السبيل الانقلابي الذي يطيح بكل شيء دولة وطنية ومؤسسات وفرص حوار، ذلك الانقلاب الأحمق الذي لا يمكن تنفيذه إلا بأيد خارجية، أي بماكينة الغزو، التي ستعمم الفوضى في كل مكان، وفي غبار الفوضى يعتقد هؤلاء الأعراب الجدد، أنهم سوف يجدون مكاناً لهم على المنصة، لصياغة حكم جديد، يعتمدون فيه كوكلاء مطلقين للغزو والغزاة.

 

إنها مكيدة تتطابق تماماً مع مكائد الاستعمار التقليدي في القرون الماضية، مثل مؤامرة سايكس بيكو لتقسيم مناطق الشرق الأوسط، وخداع العرب بعد الحرب العالمية الأولى، أو سرقة نفط بلاد ما بين النهرين من الرأسماليين البريطانيين. لكن، هذه المرة، عرب هم من يساعد القوى الإمبريالية الجديدة في خداع واستعمار عرب آخرين.

 

فعلى مدى السنوات الماضية، برزت جامعة الدول العربية مكونة من اثنين وعشرين عضواً كغطاء مخادع، مفيد للقوى الغربية في سعيها لإعادة رسم الخريطة السياسية للعالم العربي، خدمةً لمصالحها الإستراتيجية الخاصة. فقد ركبت القوى الإمبريالية الغربية موجة الانتفاضات العربية المهمة التي بدأت مطلع عام 2011، لتستثمرها في تقليل المكاسب الديمقراطية، وفي تعديل الأوضاع السياسية لتتوافق مع مصلحتها الدائمة.

 

يا له من إنجاز فاخر! ألم تكن هذه القوى هي ذاتها مَنْ دعم، على مدى عدة عقود، الأنظمة القمعية التي أوقعتْ شعوب المنطقة في البؤس والشقاء وسببتْ لها الكثير من الآلام؟!

ويبدو أن هناك سباق محموم في سوق السمسرة السياسية على سورية وشعبها لا سابقة له، مكانه الجامعة المستعربة حيث يقام المزاد التآمري العلني، أصحابه تجار السياسة العربية المأجورين الذين باعوا ضمائرهم وأخلاقهم في واشنطن وعواصم أوروبية، وأتوا برصيد تآمري كبير ليتاجروا به على حساب الدم السوري وأمن سورية واستقرارها، وفي مقدمة هؤلاء المتاجرين (بندر بوش و وتميم) اللذان راحا يتباريان في سمسرة العمالة إبان كل جلسة في الجامعة المستعربة أو مجلس الأمن... بشأن سورية.

يتبارى أميرا السعودية وقطر، بتشجيع من أمراء خليجيين، في مزايدة مكشوفة لأخذ دور بارز في المؤامرة التي تتعرض لها سورية، بالتنسيق مع أصحاب المشاريع الأمريكية ـ الصهيونية التي تستهدف المنطقة العربية بعامة وسورية بخاصة، علّهم يحققون من الدخول في هذه المزايدة مكاسب ترفع من مكانتهم الوضيعة وتحسّن من صورتهم القبيحة، الملطخة بألوان العمالة والتبعية للاستعمار القديم والجديد على حدّ سواء، وتاريخهم يشهد على ذلك منذ ما قبل الثورة العربية الكبرى 1916 وحتى الوقت الراهن، في تعاونهم مع الاستعمار البريطاني القديم ومن ثمّ مع الاستعمار الأمريكي الجديد، وإن لبسوا العباءات العربية البعيدة عنهم في أصالتها وشيمها.

ولمَ لا؟ أليس هذا التستر المشبوه من صفات السماسرة وأساليبهم في الخداع، سواء في السياسة أم في التجارة أم في العمالة مهما كان نوعها؟!

فادعاءات هؤلاء السماسرة بمساعدة الشعب السوري للخروج من أزمته وأوضاعه المأساوية، هي ادعاءات باطلة في الشكل والمضمون، ولا سيّما التذرع بنشر الحرية والديمقراطية التي يسوّقها لهم أسيادهم، عن طريق التسلح والإرهاب وممارسة القتل الجماعي.

فأية حرية يزعمون؟ وأية ديمقراطية يدّعون؟ وهم لا يعرفون من الحرية والديمقراطية إلا ما يحقق مصالحهم ويتماشى مع أنظمتهم (الأسَرية والقبلية)، التي تسمح لهم بممارسة العنف والقتل ضد كل من ينتقد نظامهم، ويحرّمون أي اجتماع أو مظاهرة تطالب بإصلاحات، حتى وإن كانت سلمية، والأمثلة على ذلك كثيرة كما في (السعودية وقطر... البحرين وغيرها) لأن في ذلك مخالفة للشريعة، على حدّ فتاوى مشايخهم، لأن سلطة الملوك والأمراء لا تنظمها قوانين ودساتير، كونها مستمدة من مشيئة الله (على حدّ زعمهم)، ليصل الأمر إلى تسمية الدولة بإسم الأسرة الملكية الحاكمة، كما في (المملكة العربية السعودية) نسبة إلى آل سعود.

وهذا يذكرنا بحكم الأباطرة في العصر الوسيط، الذي أطاحت به الثورات التحررية، وفي مقدمتها الثورة الفرنسية. وإنه لأمر مثير للسخرية بالفعل، أن نرى حكام ''الاستبداد المطلق'' في السعودية و البحرين وقطر، يدعون إلى حكومة ديمقراطية بسورية، في وقتٍ تُجلد فيه المرأة بالسوط إذا ما ضُبطت ''بجريمة قيادة السيارة''، فما بالك بمعارضة النظام، أو الخروج علناً عن طاعة الحاكم؟!

والسعودية، وإلى غاية كتابة هذه السطور تقوم بعمليات قمعية بصورة وحشية لكل الاحتجاجات السلمية داخل حدودها، ونفذت إعدامات بقطع الرأس في الشوارع والساحات العامة، ومملكة الوهابية هي مَنْ قادت، في الربيع الماضي، سحق قوات مجلس التعاون الخليجي للتظاهرات السلمية المطالبة بالديمقراطية في البحرين. واليوم تستمر القوات الخليجية بقيادة السعودية وبدعمٍ من واشنطن ولندن بقتل النساء والأطفال البحرينيين في الشوارع وفي المنازل.

إسقاط ''سورية'' هي خريطة طريق رُسِمتْ منذ فترة طويلة لتقود في النهاية إلى إسقاط الحكم في إيران. فقدر سورية الحالي في كونها في عين العاصفة الغربية إنما يعود، على الأرجح، إلى رفض سورية الشديد، في شباط 2010، دعوات واشنطن للتفاوض على إبرام صفقة معها ضد إيران. لكن خريطة الطريق العسكرية الأميركية الغربية تذهب إلى ما هو أبعد من إعادة تقسيم الشرق الأوسط. فكما يشرح ''ميشيل تشوسودوفسكي'' بشكل قاطع في كتابه الجديد ''نحو سيناريو الحرب العالمية الثالثة''، فإن الخريطة العسكرية لواشنطن هي الهيمنة العالمية، أما الجزء الخاص بالسيطرة على الشرق الأوسط ومناطق آسيا الوسطى الغنية بموارد الطاقة، فهو أمر حاسم في تهميش المنافسين من الوزن الثقيل، روسيا والصين. فالتحالف بين هاتين الدولتين وكل من سورية وإيران، فقط أعطى هذه الأهداف الحالية زخماً إضافياً لعملية تغيير النظام التي يقوم بها الغرب.

والآن اتجهت جامعة الأعراب باتجاه سورية قلب الصمود والمقاومة، المتمسكة بالهوية القومية، والدولة الأقدم في تأسيس هذه الجامعة، لتدميرها وإسقاطها، لتعود وقد أسقطت كلمة العربية من تسمية دولتها، لتصبح الجمهورية السورية بدلاً من الجمهورية العربية السورية، وأغلب الظن أن هذا ما يخبأ لمصر، كي تعود إلى ما قبل ثورة يوليو عام 1952، وقس على ذلك أقطاراً عربية أخرى، إذا ما استطاعت أمريكا ومن يغرد في سربها إخماد صوت سورية القومي، أو إذا ما استطاعت أن تستكمل عملية تحول الحراك العربي الذي ركبت موجته، من ربيع عربي إلى ربيع إسلامي مطواع لإرادتها.

وكان من الطبيعي أن تتوطد العلاقات بين مواقع الخير في الوطن العربي وفي الإقليم بكامله، وهذا أمر خطير ومفزع بالنسبة للاستعمار الغربي، ولهذا المعنى حركوا أدواتهم في هذا الزمن وانكشف الدور، فإذا ''بندر بوش'' هو (القائد) وهو المعتمد، وإذا ''نبيل العبري'' قد تحول مباشرة إلى سم زعاف ولسان ماكر، أي زمن أغبر هذا وكيف يحق لمن يرتبط بإسرائيل منذ عشرات السنوات ولمن رهن ثروة البلاد التي استودعها الله في أعماق الأرض وفوق الأرض لصالح الأجنبي ولمصلحة إسرائيل ولنشر الفتنة وتعميم القتل والإرهاب والمسألة جاءت في دورها تماماً، أسفر الساقطون عن وجوههم ولسوف يسفر شعبنا عن قيمه وأصالته ومواقفه.‏

وما كان للجامعة المستعربة أن تبدي رأياً أو أن يظهر عليها ملامح حراك أو تحرك يسمي الأشياء بأسمائها على الأقل ويكون من شأنه أن يقول ببساطة إن فلسطين عربية وإن الصهيونية عدو مصيري بالنسبة للعرب وإن الاستعمار الغربي الفرنسي والبريطاني والأميركي هو مصدر للحقد على العرب، وموقع لا يعرف من العرب إلا أنهم مجموعات بشرية ولابد من تمزيقها، ولابد من السيطرة على ثرواتها وقبل هذا وذاك لابد من إغراقها في مستنقعات التخلف والجهل والاستهلاك والاقتتال، وما سمعنا صوتاً للجامعة حينما غزا الأميركيون والبريطانيون العراق الشقيق، يومها كانت سورية وحدها هي التي تحمل الأمانة وتتحمل المسؤولية وتدين هذا الاحتلال وتقف إلى جانب العراق وتغذي المقاومة الوطنية والإسلامية الشريفة وكان الملوك حينها مجرد دعاة ورعاة لجريمة احتلال العراق.‏

إن الدعوات لعسكرة الثورات العربية وبدعم من جامعة ''الناتو'' العربية يعد سابقة خطيرة من جهة رسمية عربية تشرعن التدخل الخارجي واستباحة الدم العربي وتمهّد الطريق أمام الولايات المتحدة وحلفائها لتنفيذ مشروع ''برنارد لويس'' لتقسيم الدول العربية والإسلامية، ومشروع الشرق الأوسط الجديد الذي تعتبر إسرائيل أحد أركانه وركائزه الأساسية، بدل أن تقوم بالدعوة إلى الحوار وتقديم المبادرات لحلّ الأزمة بالطرق السّلمية، وأن يبقى الخلاف داخل البيت العربي، نرى استماتة من قبل جامعة ''الناتو'' العربية ومن بعض أطياف المعارضة في تدويل الأزمات والثورات العربية وكأنها أصبحت أداة لتنفيذ أجندات خارجية.

فدعاة التدويل وعسكرة الثورة وإمدادها بالسلاح يأخذون البلاد العربية إلى حروب أهلية وطائفية طويلة الأمد، تستنزف البلاد ومقدراتها البشرية والاقتصادية والحضارية، وتدمير البنى التحتية، وتدمير كل مؤسسات الدولة وما تمثله، وتعيد البلاد عشرات السنين إلى الوراء وتحويل شعوبها إلى لاجئين ومشردين كما الحالة العراقية، أكثر من مليون قتيل عدا الجرحى واللاجئين وتدمير دولة بمؤسساتها، والحالة الليبية أكثر من 130 ألف قتيل باستثناء الجرحى وانهيار دولة وما تمثله، وأننا نرفض أن تتحول المعارضة وتقبل على نفسها أن تتحول إلى كرازايات جدد، هدفها الوصول إلى سدّة الحكم ولو على جثث ووحدة الوطن.

إنها الكولونيالية الجديدة في أراضٍ عربية، بمساعدة جامعة ''الناتو'' العربية. والتجربة الليبية لم تكن سوى ''رداء تدريب'' على القيام بعملٍ ممنهج يجري اليوم تنفيذه بصورة محمومة في سورية. ولنتذكر أن إدانة ليبيا ونبذها من أعضاء الجامعة في آذار الماضي أعطى الإشارة لحلف الناتو كي يقوم مباشرة بشن هجمات جوية على ذلك البلد استمرت لسبعة أشهر، ما أدى إلى حصد، في أقل تقدير، مئات الآلاف من أرواح المدنيين... جريمة لم يتم بعد معرفة حجمها الكامل، بسبب التعتيم الواسع الذي مارسته وسائل الإعلام ''الشركاتي''، على الوضع في ليبيا. لكن من المؤكد، بكل الأحوال، أن جريمة حقيرة، تورطت فيها أيادٍ عربية في سفك الدم العربي، قد وقعت في ذلك البلد.

الصورة الحقيقية هنا تتجلى في المناورة الغربية لاستغلال تململ الشعوب العربية من أنظمتها وتوجيه هذا التململ صوب تغيير الأنظمة التي تعتبرها غير منسجمة مع المصالح الإستراتيجية الغربية. والنظام السوري هو الجائزة الكبرى لهذه المناورة. وهذا ليس إلا مثالاً واحداً على عدم انسجام هذا النظام مع المصالح الغربية. دعمه لمقاومة ''حزب الله'' ضد الإمبريالية الأميركية في الشرق الأوسط، هو مثال آخر. لكن، القلق الأكثر أهمية وحداثة بالنسبة لواشنطن وحلفائها، يتجاوز، في الحقيقة، سورية نفسها، وهو تحالفها طويل الأمد مع الجمهورية الإسلامية في إيران.

إن سورية هي مفتاح الشرق ولؤلؤة العرب كما كان العراق بوابة العرب الشرقية، وإن سورية يشهد لها التاريخ، وقد فككت أزمات دولية وإقليمية وعربية مثلما أوقفت نزيف الدم والحرب الأهلية في لبنان على عكس أمريكا التي فككت يوغوسلافيا إلى الجبل الأسود والبوسنة والهرسك، ودمرت اليابان في هيروشيما ونكازاكي، واحتلت أفغانستان ودمرت وجزأت العراق الموحد، وفدرلت ليبيا وقسمت السودان...

لقد صدق ''هنري كيسنجر''، الأب المعاصر للصهيونية يوم قال بعد حرب تشرين التحريرية 1973 بأنه سيجعل المنطقة تغرق في حروب عربية ـ عربية لا يُعرف فيها القاتل من المقتول... حيث يتم في هذه الحروب العربية المدعومة من حثالات الشعوب وأبالستها وثعابينها من القاعدة، ونصرة وتكفيريين، ووهابيين تحقيق الهدف الاستراتيجي ـ الصهيوأمريكي، وهو استئصال خلايا الأمل من دماغ المواطن العربي وضميره، وذلك عبر القضاء على ثلاثة جيوش عربية هي الهاجس الأكبر لدى أمريكا وإسرائيل وهم الجيش السوري والعراقي والمصري. وعندها تنام إسرائيل ملء جفونها، ويتحول جنرالاتها إلى صيادي سمك أو منقبين عن آثار سليمان في المنطقة!

ولا شك في أن الجيش العربي السوري يستعد لعدوان قادم، وعليه أن يسعى هو ومن هم معه ممن يمكن أن يشاركوه المسعى لدفع قوة العدوان الغاشمة عن الشعب والوطن والأرض... وما من شك في أن كل سوري شريف، في أي موقع كان وتحت أية سماء تظله، لا سيما من كان منهم في صفوف المعارضة ولكنها تعني لهم جهداً وجهاداً تحت سقف المصالح الوطنية العليا وسيادة الشعب وسلامة البلاد من الخراب والحفاظ على العباد من القتل والتشرد والفقر والقهر...

 

ما من شك في أن هذا النوع من الأشخاص وبهذه المواصفات العربية ـ الإسلامية السليمة والسورية الأصيلة لن يشارك في العدوان ولن يقبل به، وأنه سيدرك نتائجه وسيعنيه أمر الوطن وألا يسجل التاريخ عليه وعلى أبنائه وأحفاده من بعده مواقف تواطؤ أو خيانة أو بؤس روحي من نوع السكوت على العدوان أو التواطؤ مع المعتدين... أما الذين باعوا الوطن والشعب والتاريخ بدولارات وببلوغ شهوات ونزوات... فأولئك خارج حدود هذا المقصد ومن ثم خارج حدود من يعنيهم أو يمكن أن يعني لهم هذا النوع من الخطاب شيئاً.

إن الرجعية العربية التي باعت نفسها للشيطان الصهيوني ـ الأمريكي لم تعد هي التسمية الجامعة للعرابين الجدد، وفلسفة الرجعية أضحت في ظل العولمة واحتلال قواعد العدالة الدولية تحت سياسة القطب الواحد وتشريع سياسة قانون الغاب، وصارت التسميات فضفاضة بحيث تشمل ألف باء الرجعية وتقسيم المقَسّم ودعم الصهاينة ومساعدتهم مع أمريكا في ضرب العرب والعروبة ومن ثمّ الاعتراف (بإسرائيل) كدولة شقيقة مستقلة وتحويل الجامعة العربية الى أداة لتفريق العرب وليس لجمعهم... واللائحة السوداء تطول وتطول لتغطي وجوههم المزخرف بفلسفة دراكولا الدم العربي المنسوج حراماً بحرام من قبل تجار الحروب وسماسرة السياسة وتجار الدم