الانفلات الإعلامي الصارخ إلى متى..؟ |
لم يقولوا عبثا : «في التأني السلامة وفي العجلة الندامة» أو «العجلة من الشيطان والتأني من الرحمن» ولما كان الإنفلات الإعلامي موضوعا وعنوانا لمقالي هذا، اقول بادئ ذي بدء، أن من مميزات وخصائص الإنفلات الإعلامي هو التسرع والقول اللامسئول وتشويه الحقائق عن عمد أو غير عمد، وأمراض وعيوب أخرى يضيق بها المجال. فقبل أيام قلب الإعلام مضامين صورة فوتوغرافية لتظاهرات حاشدة مؤيدة لرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان على الضد مما توخاه الأخير من تلك الصور التي عرضت وكأنها تظاهرة مليونية ضد أردوغان وحزبه وحكومته. وفي العراق وصفت وسائل إعلام التظاهرات في ساحات بعض المدن العراقية السنية على ضيقها على أنها مظاهرات مليونية والحال أن المشاركين فيها في أغلب الاحوال لم يكونوا يتجاوزوا بضع مئات. ومنذ أسابيع تلاشت تظاهرات المعتصمين في الموصل ضد حكومة المالكي، ومع ذلك يورد الإعلام الموصل ضمن المحافظات الستة المنتفضة. وتقوم عدسات آلات التصوير بإخفاء الرقعة الضيقة للإعتصامات والمعتصمين وتظهرها خلاف ذلك وكأنها لا أول لها ولا آخر. فلو كانت مليونية حقا لاسقطت حكومة المالكي منذ زمن مثلما أسقطت حكومات مبارك وشاه إيران وبن علي ومرسي. وهكذا فإن جعل الإعلام من الحبة قبة لن يؤدي إلا إلى ذر الرماد في العيون والتحايل على الداخل والخارج والذي تدفع ثمنه الشعوب والبلدان طبعا. ويلاحظ أن الانفلات الإعلامي يشتد في أوقات الأزمات والإضطرابات وفي ظل سيادة الانفلات الأمني وتراجع حكم القانون بالأخص. وارتأيت أخذ عينات من هذا الانفلات من أحداث ثورة 30 حزيران في مصر والتي امتدت لأيام قلائل إلى أن أسقطت حكومة الدكتور محمد مرسي. في خبر نسب إلى وكالة رويتر للأنباء أن الجماعة الاسلامية في مصر اقترحت على مرسي اجراء انتخابات رئاسية مبكرة وعلى أثر ذلك تبارت وكالات الانباء ومواقع إعلامية لا تحصى في أخذ الخبر ونشره على أوسع نطاق، إلا أن الجماعة تلك سرعان ما كذبت الخبر ونفت أن تكون قد تقدمت باقتراح ينص على اجراء انتخابات رئاسية مبكرة!! إن وكالة رويتر الموقرة التي تعد من أعرق وأقدم وكالات الانباء في العالم عرفت في السابق بدقتها في نقل الانباء والابتعاد عن الكذب فإذا كان هذا حال رويتر فكيف تكون حال الوكالات الانبائية الأخرى ياترى..؟ يفترض في وكالات الانباء أن تكون أكثر مصداقية في نقل الانباء من وسائل الإعلام الأخرى من صحف وإذاعات وفضائيات، سيما بعد أن أصبحت في الأعوام الأخيرة مصدرا ومرجعا رئيسا للأخبار،حتى أن كثيرا من الصحف والاذاعات استغنت عن مراسلين لها، واكتفت بالتعامل مع الوكالات تجنبا من الوقوع في الخطأ، غير أننا وجدنا هذه الوكالات ترتكب اخطاء تلو اخطاء ايام الثورة المذكورة، والأمثلة على أخطائها كثيرة منها: أن وكالة (أ.ف.ب) ذكرت بأن محمد البرادعي وشيخ الأزهر والبابا تواضروس وصلوا إلى وزارة الدفاع المصرية لمقابلة الفريق عبد الفتاح السيسي القائد العام للقوات المسلحة المصرية، في حين نفت وكالة (أ.ش.أ) ذلك وقالت أن شيئا من ذلك لم يحصل، وتوزعت الوكالات بين مصدق للخبر ومكذب له بشكل حار فيه الناس من أمرها، أيهما تكذب ,ايهما تصدق. وفي الخبر الذي نشرته (أ.ش.أ) ورد بأنها أسندت الخبر إلى مصدر عسكري مصري مسئول. والاطرف من كل هذا أن فضائية التغيير العراقية وهي من الفضائيات العربية السنية والتي أتابعها يوميا قالت أن البابا شنودة ومحمد البرادعي.. ألخ يحضران اجتماعا مع وزير الدفاع المصري عبد الفتاح السيسي. علما أنه قد مضى أكثر من عامين على وفاة المرحوم البابا شنودة!! هذا الخبر بقي لساعات لا يفارق شاشة فضائية التغيير. وفي خبر لفضائية الحرة عراق الأميركية أن قوات الحرس الجمهوري في مصر دخلت مبنى التلفزيون الحكومي المصري وسيطرت عليه ثم أخلته من العاملين فيه من غير الاسلاميين باستثناء الابقاء على مذيعي الهوا فقط. ومن مضمون الخبر نفهم أن تلك القوات أبقت على الاسلاميين وطردت العلمانيين وبشكل أوحى ان الحرس الجمهوري المصري مع مرسي وحزب الحرية والعدالة، بينما كان العكس هو الصحيح، فلقد داهمت تلك القوات ذلك المبنى لإنهاء هيمنة الاسلاميين على التلفزيون الحكومي المصري وفيما بعد قامت القوات عينها بغلق اربع قنوات دينية تابعة للاخوان المسلمين. وكما نعلم أن تسرع وسائل الإعلام في نقل الأخبار هدفه تحقيق سبق إعلامي أو صحفي وقد يكون من أجل نصرة هذا الطرف على ذاك وربما تكون للمتسرعين مآرب أخرى، بلا شك فإنه لو مضت الحال على هذا المنوال فسيأتي يوم تفقد وسائل الإعلام مصداقيتها سيما تلك التي تعتمد العجالة والتسرع في نقل الأخبار. إن وسائل الإعلام هذه لا بد ان تسقط في عين القراء أو المستمعيين أو المشاهدين في نهاية المطاف، ما يدفع بالثالوث القارئ والمشاهد والمستمع إلى إنتظار البيان الأول للعسكر الذي يأتي أصدق إنباء من وسائل الإعلام. ختاما ما أحوج الإعلاميين والصحفيين إلى نصيحة موجهة أصلا إلى سواق السيارات (أخي السائق لا تسرع فالموت أسرع) وإذا كان تسرع السائق يتسبب في موته وربما أفرادا معه فإن تسرع الصحفي والإعلامي قد يتسبب في الحاق الدمار بشعب أو حزب برمته. فحذاري من التسرع.
|