ان ما حدث اليوم من استخدام غير مبرر للقوة ضد المتظاهرين الذين مارسوا حقا كفله الدستور واقرته مواثيق حقوق الانسان، يعكس الفجوة الكبيرة بين الشعب وبين الطبقة الطفيلية الحاكمة التي استولت على السلطة والثروات والاراضي والقصور واستخدمت كافة وسائل الخداع والتحايل لزيادة ثرواتها وامتيازاتها ولم تبق من اراض العراق قطعة الا وصادرتها، هذه السلطة الطفيلية لا تتردد في اتباع كافة الوسائل، حتى لو كانت اجرامية في الدفاع عن مصالحها. ان قمع التظاهرات يشير الى ان الحكومة لا تحترم قانونا ولا دستورا، وهي لا تختلف عن ذاك المقبور القائل بان القانون مجرد جرة قلم لنا ان نطبقه ولنا ان ندوس عليه، وعلى ما يبدو ان احزاب العملية السياسية بكل تلاوينها، وزارات وبرلمان ورئاسة جمهورية ورئاسة وزراة، اختارت ان تدوس لا على القانون فقط، انما على كرامة الانسان. لقد تحول الشعب في عهد هذه الحكومة الى ما يشبه بالطبقة المنبذوة التي لا قيمة لها، والتي عليها ان تتحمل العذاب والقهر وشظف العيش وغلظة الاجهزة الامنية وقساوة الظروف دون ان يكون لها الحق في محاولة تغييرها او تتظاهر ضدها او حتى تبرما للتعبير عن عدم رضاها، فان قدرها ان تعيش في جحيم من التعسف والقسر والقمع والذل، مؤملة بان تجد راحة ومراحا في جنة يوعدهم بها وعاظ السلاطين. لم تنجح حكومة المالكي في اي من المهمات والواجبات التي تعهدت بانجازها، فلا زالت ازمة الخدمات والكهرباء على حالها وزادت اعداد الشرائح الاجتماعية الهابطة دون مستوى خط الفقر واتسعت الهوة بين الطبقة الطفيلية الحاكمة وبين الشعب، وصدرت القوانين التي تخدم مصالح السياسيين والنواب بينما تعطلت كل التشريعات التي من شانها تحقيق ولو قليلا من الانصاف للناس، وتحولت العملية السياسية برمتها الى عملية صراع على الغنائم والحصص بين الاحزاب المتنفذة، وزادت وتائر الفساد الاداري والمالي والاخلاقي، وكبرت وكثرت عمليات غسيل الاموال وتهريب العملة والمشاريع الوهمية، وتحول العراق الى واحة يرتع فيها اللصوص والمحتالون والمزورون. وفي حين تبحث الطبقات المسحوقة في المقابر عن مأوى لها وفي المزابل عن طعاما يسد رمقها، تتخم جيوب وحسابات السياسيين والنواب الطفيليين بملايين الدولارات، ويتقاضون شهريا ما لا يتقاضاه رؤساء الدول الكبرى، فيتمتعون برواتب ومخصاصات وامتيازات وحوافز ونثريات. ولاننا في في عراق العجائب ابتدع البرلمان رواتبا تقاعدية مع مخصصات حراسة وسكن ومكافأة نهاية خدمة قدرها 150,000,000 دينار وجوازات دبلوماسية لجميع افراد العائلة، حتى لو كانت الخدمة اسبوعا واحد. ولاننا في عراق التحايل والخديعة، ابتدعت الاحزاب اسلوبا اخر للسرقة، اذ يُحال نائب على التقاعد قبل اكمال الفترة التشريعية ليحل مكانه نائب اخر سيتقاضى نفس الامتيازات ونفس الرواتب والمخصصات التقاعدية فيما بعد. في جواب على سؤال كيف يستحق راتبا تقاعديا من يستقيل من الخدمة، رد محمود المشهداني رئيس البرلمان السابق وبكل بجاحته المعهودة بان الاستقالة تعني الاحالة على التقاعد وانه لا يصح ان يترك رئيس البرلمان دائحا متسكعا في الشوراع. عفارم بينما يرد وزير الخارجية هوشيار زيباري وبابتسامة باردة حول سؤال عن المصروفات الهائلة التي تنفقها وزراة الخارجية وانه شخصيا لا ينام الا في فنادق تكلف اليلة الواحدة 25,000 دولار، رد الزيباري بابتسامة المقتنع بصحة ما يفعله ومتوقعا استحسان المواطن المسكين بجواب لا يختلف كثيرا عن جواب المشهداني، بانه قد اخبر السفراء وموظفوا السلك الدبلوماسي ان يزيدوا من نفقاتهم وان لا يحرصوا او يبخلوا على انفسهم ويبرزوا باعلى بهرجهم حتى يشعروا الاخرين باهميتهم . عفارم! اما احمد الجلبي فيروق له ان يفلسف الفساد فيقول، بان الغاء تقاعد النواب يعني معاقبتهم، فما سيتقاضاه النواب طول حياتهم من تقاعد لا يعادل صفقة فساد واحدة من المقربين لرئيس حكومة الفساد الحالية. عفارم! احمد الجلبي استاذ الرياضيات كما يشاع، نسى ان الفساد لا يمكن ان يكون قاعدة اتشريع فساد اخر، اذ يجب القضاء على الاثنين. ان الاستشهاد المضحك الذي قال به الجلبي هو نفسه الذي يكرره جميع النواب. انهم يرددون منطق القحبة التي تقول ليس انا وحدي الذي امارس العهر، فهذه وتلك تمارس عهرا اكثر من عهري.عفارم! لقد عاد المتظاهرون اليوم الى بيوتهم، ومنهم من بقى في المعتقلات السرية، ومنهم من جاء جريحا منهكا مدمي الظهر مكسور الخاطر والاطراف. وعاد ايضا افراد قوات المالكي المعروفة بـ سوات بعد ان اوجعت المتظاهرين ضربا واسمعتهم شتما وقذفا. عفارم! واني لاخال نوري المالكي واقفا في استقبالهم ممتدحا نجاح مهمتهم في اهانة الشعب واشباعه ضربا وقذفا، مشرفا على تقديم القيمة والتمن لهم، مثنيا على مهراتهم في اجادة الركلات وضرب الهراوات. عفارم. ولكي يرضي الشعب ويطيب خاطره بعد ان جلدت قواته الخاصة ظهور ابناءه، يصرح بكل وقاحة الصبيان بانه يساند ويؤيد مطالب الشعب. متوقعا بان الشعب سيقول له عفارم!! هل نوري المالكي في ارساله قوات سوات لضرب الشعب وثم خروجه متبجحا انه مع مطالبه، هل يختلف عن اولئك الذي كانت قلوبهم مع الحسين وسيوفهم عليه؟
|