كثيرة هي الأفلام والروايات والحكايات عن سادية المجرمين والقتلة الذين لا تتوقف لديه منزعة التلذذ بتعذيب الضحية حتى بعد قتله. من بين تلك الحكايات واحدة ظلت ببالي الى اليوم وكنت قد شاهدت أبطالها. ففي القرية التي تعيّن فيها والدي معلما لأول مرة، وجدنا الناس هناك تتناقل حكاية مرت عليها عشرة أعوام. أصلها أن بقالا في القرية كان يتعرض دائما للإهانة والابتزاز من قبل أحد المستهترين مستغلا كون البقال غريبا لا أخوة ولا عشيرة له. تحملّه مكطوف البقال كثيرا من أجل زوجته وابنه الوحيد الذي كان عمره في يومها، أربع سنوات. استمر المستهتر على طريقته العدوانية أكثر من عام. وصل به الحد يوما أن صفع البقال الذي لم يجد، بعد ان هدرت كرمته أمام الناس ونفد صبره، غير أن يرفع "العيار" ويهجم به على رأس المعتدي فأرداه قتيلا. وصل الخبر إلى إخوة المقتول. جاء كبيرهم ليلحق بالبقال قبل أن يهرب، فقتله ثأرا لأخيه. تولت امرأة القتيل تسيير أمور الدكان بمعاونة أهل الغيرة لتدبر معيشتها وإعالة طفلها الوحيد. لم يكتف أخو القاتل الشرير بأخذ ثأر أخيه المعتدي بل ظل على مدى عشر سنوات يزور الدكان بين حين وآخر ليشمت بعائلة البقال. عندما يسأله أهل القرية ان يكف عن ذلك لأنه أخذ بثأره يرد عليهم: ما عندي شي وياهم بس أحب اسلم عليهم وما رايد غير يردون السلام. كان فعلا يبدأ ابن البقال بالتحية ويطالبه أن يردها بأحسن منها رغم انفه. كان الطفل المسكين يرد لأنه بلا حول ولا قوة. يسمعه القاتل فيضحك ثم يتناول ما يحلو له من بضاعة ويمشي دون أن يدفع شيئا مقابل ثمنها. صار عمر ابن مكطوف يوم وصلنا القرية، اربعة عشر عاما تقريبا وهو يرى قاتل والده يذله ويسخر منه ويتصرف بالدكان وكأنه ملكه. ذات يوم قرر الطفل علي مكطوف أن يضع حدا للذل الذي صار يؤرقه كثيرا فطلب من أمه ان لا تفتح الدكان في اليوم التالي. ليش؟ وجدت ردا على سلامه أحسن من كل ردودي السابقة، وانا متأكد انه حين يسمعني سيرتاح جدا ولن يعود إلى هنا بعد اليوم. انتظر ابن مكطوف قاتل أبيه عند الباب فجاءه مبتسما ثم حياه. وحين وجد القاتل ان الصبي لم يرد عليه. صاح به: رد يا ولد. حاضر. رفع الولد مسدسا كان قد أخفاه وراء ظهره فرد عليه التحية بأحسن منها وما عاد يسمع أو يرى قاتل والده. لاح لي وجه علي مكطوف المذلول، وتذكرت حكايته، حين قرأت قول علي الشلاه أن "رئيس الوزراء حيا التظاهرات وطلب من الأجهزة الأمنية أن تتعامل معها وفقاً للقانون وبعيداً عن أي تجاوز". أتحية هذه يا ابا الحسن ذا الأربعة ملايين، أم شماتة، ام سادية التلذذ بجراحات المتظاهرين الذين أعتدت عليهم قوات سيدك وألهبت ظهورهم بالسياط وأكتافهم بأعقاب البنادق؟ لا عزاء لهذا البلد ولن تقوم له قائمة ما لم يرد المتظاهرون على "تحية" المالكي، بتظاهرات مثلها أو أحسن منها على مدار الأسبوع واليوم والساعة
|