تحسين الواقع الاقتصادي للفرد العراقي

 

اعلنت الحكومة العراقية عن زيادة في رواتب الموضفين في الدرجات الدنيا حسب جدول نشر في الاعلام ولكن هل ستؤثر هذه الزيادة سلبا ام ايجابا على الموضف البسيط هو ما كان يجب على الحكومة العراقية دراسته في ضل زيادة بنسب التضخم حيث وصلت الى مستويات قياسية في عام 2012 اذ بلغت 140.7 بالمئة مقارنة بالعام 2011 حسب ما افاد الجهاز المركزي للاحصاء التابع لوزارة التخطيط العراقية والسبب في ذلك جلي للعيان وهو اعتماد العراق على استيراد المواد الغذائية الاساسية واستيراد المنتوجات النفطية حيث بلغ مجمل المبالغ المحولة ال الخارج عمليات الاستيراد 45 مليار دولار اغلبها لاستيراد مواد غذائية اساسية في عام 2011 كما افاد تقرير البنك المركزي العراقي كما ان لازمة السكن وتذبذب اسعار الخدمات وشحتها بالاضافة الى الفساد الاداري والرواتب المبالغ فيها بالنسبة لبعض الدرجات الوضيفية و العقود الحكومية التي يشوبها الفساد تاثير كبير على مستوى التضخم في البلاد. 
في حين اعلن الخبير الاقتصادي ماجد الصوري لقناة الفرات الفضائية ان سبب التضخم هو تذبذب سعر الذهب والنفط وسعر صرف الدولار وطالب الحكومة بتنمية اقتصادية شاملة دون شرح كيفية تلك التنمية . الا ان المعروف ان التضخم ينتج عن زيادة طرح العملة المتداولة ويصاحب ذلك زيادة في اسعار السلع و السكن و الخدمات وهو ما يحصل في العراق فالاموال المتدفقة الى السوق العراقية من قبل الحكومة على شكل رواتب وهي اكثر من مئة بليون دينار عراقي (ثمانون مليار دولار ) سنويا وقد تكون تلك الحالة صحية للاقتصاد لو كانت الحكومة قادرة على سحب اغلبية تلك المبالغ في نهاية المطاف عن طريق بيع السلع او الخدمات (الماء والكهرباء و الاتصالات والخدمات التعليمية و الصحية) ولكن ضعف البنى التحتية يجعل ذلك الامر مستحيلا عوضا عن  انعدام الزراعة و الصناعة فالحكومة تضخ الاموال وحسب. والزيادة في ضخ تلك الاموال يعني زيادة معدلات التضخم و زيادة اسعار السلع اذا فعملية الزيادة في الرواتب هي فقط مخدر حكومي للبسطاء. 
فضلا عن المشاريع العملاقة التي تهدى للمتنفذين في الدولة من احزاب و شخصيات سياسية و بارباح خيالية يلعب دورا متميزا في زيادة اسعار السلع و الخدمات و السكن على وجه الخصوص حيث تعتبر مدن بغداد و البصرة من اغلى مدن العالم من حيث السكن سواءاُ للسكن بالايجار او التملك  , وحيث تفلت اغلب الشركات الكبيرة من الضرائب تدفع الشركات الصغيرة ضرائب عالية يؤثر على نمو الاقتصاد و يكبر الهوة الاقتصادية بين طبقات المجتمع خاصة واذا كانت تلك الشركات الصغيرة ملتزمة بالقانون و التحاسب الضريبي . 
ولتقليل نسب التضخم في العراق والغاء الطبقية التي بدأت تضهر في المجتمع العراقي لابد ان يتم عن طريق النقاط التالية: 
1-       تخفيض الرواتب الحكومية للوضائف العليا والغاء الامتيازات المالية للسياسين و النواب و الوزراء و معاونيهم والدرجات الحكومية العليا ويكون التخفيض بنسب عالية لتكون المحصلة النهائية للرواتب اعلى بقليل من الدرجات الدنيا والمتوسطة ويصاحب ذلك زيادة رواتب الدرجات الدنيا فيكون سلم الرواتب بارتفاع معقول بين الدرجات الدنيا و المتوسطة و العليا. 
2-      اعادة جدولة النسب الضريبة فترتفع النسبة بارتفاع حجم الواردات ولمعرفة احجام الشركات و مبيعاتها وارباحها يجب اولا انشاء نظم الكترونية في الجمارك والمنافذ الحكومية لمعرفة المستوردين و المصدرين و حجم التجارة لكل شركة وعندها ايضا يمكن للحكومة معرفة المشترين بالنسبة للشركات العاملة في التجارة الداخلية و قطاع التجزئه او ان تجبر الشركات العاملة بالتجزئه على استخدام النظم الالكترونية في المبيعات و المخازن .
3-      قانون العمل و العمال : يجب على الدولة تفعيل و استحداث قوانين العمل و العمال بالنسبة للقطاع الخاص وان تجبر الشركات كافة على تسجيل كافة العمال العاملين لديها واستخلاص بطاقات خاصة للعمال في كل شركة او منشأة تجارية او صناعية او خدمية و يكون العامل مرتبط بالشركة وفق عقد عمل تحدد فيه المهنة و الواجبات و الشروط وكذلك استحقاقات العامل المالية و الاجتماعية وواجبات الشركة تجاهه ويشترط على الشركات ضمان صحة العاملين لديها ودفع تكاليف العلاج للحالات المرضية التي يصاب بها العامل اثناء مدة العمل وبذلك ايضا سنوفر على الحكومة تكاليف علاج للكثير من الحالات و سيكون تركيز الحكومة على الحالات التي ليس لديها معيل وسنفصل ذلك لاحقا. 
4-      تشجيع التصدير : يجب على الحكومة استحداث قانون اعادة التصدير و قانون التبادل التجاري خاصة وان العراق مقبل على بناء ميناء الفاو الكبير و الربط السككي مع دول مختلفة تربط العراق بالعالم فيصبح قانون اعادة التصدير و التبادل التجاري ضرورة ملحة لانماء الشركات الوطنية بدلا من الاعتماد على الشركات الاجنبية وكذلك تشجيع تصدير البضائع العراقية واعفاء جزء من ضرائب الشركات التي تصدر بضائع مصنوعة في العراق الى الخارج. 
5-      الزراعة : يجب على الدولة الاهتمام في الجانب الزراعي و خاصة محاصيل الحبوب و الخضراوات وذلك لن يتحقق الا عبر سنوات من العمل اولا بدعم الفلاحين بالاسمدة و المعدات و بطرق نزيهة وافظل الطرق ما طبق في دول الاتحاد السوفيتي السابق و المانيا وذلك بانشاء مراكز الاليات الزراعية بالقرب من القرى وتاجير المعدات الزراعية للفلاحين بدلا من منحهم اياها (منح الفلاحين للمعدت الزراعية سيؤدي غالبا الى الفساد الاداري و حرمان بعض على حساب بعض و ان قسما من الفلاحين سيبيع تلك المعدات) كما يجب الاهتمام بتوفير النفط و الاسمدة والبذور خاصة وان العراق يمتلك خبرة بهذا المجال اثناء النظام السابق. وان يتزامن و تلك الاجرات رفع التعرفة الجمركية على المحاصيل المستوردة تدريجيا  حتى تصل الى نسب تتجاوز 100% لمحاصيل الخضراوات وذلك لتشجيع الفلاح اولا و للقضاء على خطة بعض الدول بتقديم محاصيل للتجار العراقين باسعار رمزية لضرب قطاع الزراعة العراقي و عند القضاء على القطاع الاقتصادي بالكامل سيتم استغلال العراق و رفع الاسعار وقد رأينا تاثير الازمة السورية كمثال حيث ترتفع اسعار المحاصيل تدريجيا منذ بدء الازمة وقد تحول الاستيراد الان الى تركيا وهي اكثر كلفة من سوريا. 
6-      الصناعة : كما حال الزراعة يجب تشجيع اقامة المشاريع الصناعية بكافة احجامها و تقديم دعم اكبر للمشاريع الصغيرة والمتوسطة للمساهمة في نموها وبالنسبة للمشاريع الاستثمارية الاجنبية سندرج ذلك لاحقا. حيث يجب فرض قيود على استيراد المنتجات التي يمكن انتاجها في العراق مع تخفيض القيمة الجمركية للمواد الاولية لتشجيع الصناعيين العراقيين حيث تحولت اغلب المصانع الى مخازن وتحول الصناعيون الى مستوردين بعد ان اصبح مجاراة البضائع المستوردة سعرا امر مستحيل. كما يجب دعم المصانع بالطاقة الكهربائية و النفط و الغاز و يمكن الاعتماد في ذلك على مصادر الطاقة النظيفة مثل الطاقة الشمسية او توليد الكهرباء باستخدام الغاز الجاف الذي يحرق ويذهب هدرا. 
7-      حل ازمة السكن : ان ما يحدث الان في قطاع السكن العراقي و خاصة التاجير هو اقتصاد فقاعة ضخم فالاسعار اصبحت خيالية جراء زيادة الطلب على الوحدات السكنية مما حذا بالكثير من الملاك الى انشاء وحدات سكنية صغيرة المساحة 50 متر مربع او اقل وخاصة في الاحياء الراقية من المدن مع غياب مشاريع سكنية واضحة والحل لتلك الازمة انشاء ءمدن جديدة بالقرب من المدن الحالية وان تكون تلك المدن مبنية وفق خطة محكمة وندرج هنا مثالا: محافظة نينوى : مدينة الموصل التي تقع في مفترق طرق يربط جنوب العراق ووسطه بتركيا و سوريا ومع سكة القطار الرابطة بين ميناء الفاو و الدولتين يمكن انشاء منطقة حرة للتبادل التجاري بالقرب من المدينة لتكون مركزا تجاريا مهما في المنطقة مع منح امتيازات للشركات العاملة فيها و بناء وحدات سكنية بالقرب من المنطقة الحرة لكل العاملين فيها و التجار و اصحاب الشركات و فنادق للتجار القادمين من دول الجوار للتبظع من المنطقة الحرة وبذلك ستزدهر تلك المدينة و تنمو و بالتالي يخف الضغط في المدينة الرئيسية في الموصل وعندها يتحقق توازن طبيعي بين المدينتين وخاصة اذا ما تم ذلك في مناطق قريبة من المدن الاثرية مثل الحضر او النمرود حيث ستضاف السياحة الى التجارة في تلك التجمعات السكانية التي تسمى المدن المدورة وكانت دبي خير مثال على ذلك عند انشاء ميناء جبل علي 40 كيلو مترا الى الجنوب من مدينة دبي  ويقابله الى الغرب مدينة دبي للاستثمارو من ثم بناء واحة دبي للسيلكون الى الغرب من مدينة دبي و من ثم بناء منطقة نخيل الحرة على الساحل الشرقي وعندما نمت تلك التجمعات وصلت بالمدينة الرئيسية دبي واصبحت الان مناطق تابعة لمدينة دبي وحققت دبي في ذلك توازنا مرموقا خاصة في العرض والطلب على الوحدات السكنية و التجارية. 
8-      قانون الاستثمار: بني قانون الاستثمار الحالي على فكرة الخصخصة وهي فكرة راس مالية بحته تتيح للاجانب و الافراد امتلاك البنى التحتية للبلاد و المصانع و المزارع في خطوة توجد على المدى البعيد افرادا و شركات قادرة على اللعب بمصير البلاد كما يحدث اليوم في قطاع الاتصالات وسيحدث لاحقا في قطاع الكهرباء و الطاقة ويجب تعديل ذلك القانون على وجه السرعة بجعل الشركات الاستثمارية مملوكة بنسبة معينه للحكومة وان تساهم الحكومة براس المال, وان يعين عضو مجلس ادارة على الاقل و بصلاحيات معقولة في كل شركة استثمارية وخاصة الشركات العاملة في مجال البنى التحتية و الطاقة و المواصلات و الاتصالات و المصانع العملاقة وان يستحدث قانون منع الاحتكارالتجاري و الصناعي وذلك بمنع مجموعة معينة من المستثمرين من الهيمنة على قطاع معين او اكثر وان تفرض قيود على استعادة راس المال و ارساله للخارج في مده قصيرة فيجب ان يتم ذلك على مراحل ووفق فترات زمنية طويلة لكي لا يؤثر ذلك على دورة المال او اسعار الصرف. 
9-      القطاع المصرفي: القطاع المصرفي العراقي شهد ثورة عالية بعد 2003 عندما كان في العراق بحدود 12 مصرفا واصبح العدد اليوم اكثر من 32 مصرفا يعمل اغلبها كتجار سيارات او دلالي عقارات ويعتمد قسم كبير منهم على اصدار خطابات الضمان المصرفية بعد ان سيطر المصرف العراقي للتجارة على الحوالات الخارجية و خلاصة القول ان لا وجود لقطاع مصرفي فاعل في العراق, اذا يجب ايضا اصدار قوانين تتعلق براس المال المصرفي و ان يكون الحد الادنى لراس مال المصرف مليار دولار  وبذلك ستمدج اغلب المصارف مع بعضها و ان تمنع المصارف الاجنبية من العمل دون وجود مصرف عراقي وطني شريك بنسبة لا تقل عن 40% و نصف اعضاء مجلس الادارة.
10-    سعر الصرف : يتحكم البنك المركزي بسعر صرف الدينار العراقي مع الدولار الامريكي وهي العملة التي يرتبط بها الدينار العراقي منذ الاحتلال حيث كان يرتبط باليورو قبل 2003 والحقيقة ان البنك المركزي مسيطر الى حد كبير على السعر من خلال المزادات التي يقوم بها بشكل يومي وكان سعر الصرف قد تحسن بشكل كبير منذ 2003 الى اليوم ولكن هذا التحسن توقف لاسباب عدة اهمها الاكتفاء بالدولار رابطا للدينار مع العالم وكان الاجدر ربط الدينار بسلة عملات تشمل الدولار و اليورو والين الياباني و اليوان الصيني لمنع اي تدهور في اسعار الصرف اذا ما تخلخل الاقتصاد الامريكي الذي لا يعتمد على الذهب في احتياطه الرديف لعملته وان الاقتصاد الامريكي اليوم اصبح اقتصادا اسفنجيا يستهلك اكثر من انتاجه اذا فان انهيار الدولار اصبح مسألة وقت لا اكثر. 
11-   قطاع المقاولات و المناقصات الحكومية: تعتبر المناقصات الحكومية من اكثر القطاعات فسادا حيث يتم في الغالب استيراد او انشاء مشاريع بمبالغ خيالية تذهب نسبه من تلك المبالغ الى موضفين حكومين و ان اغلب الشركات التي تحصل على تلك العقود تبيع العقود الى شركات اصغر لتنفيذها فيتسبب ذلك بان تحصل الشركات الكبيرة و المتنفذة على ارباح خيالية وتهدر المليارات من المال العام ويسبب تدهورا ملحوظا بنوعية المنتجات والخدمات المقدمة مع غياب قوانين صارمة تحرم بيع العقود من الباطن وغياب المواصفات القياسية العالمية التي تجعل من تنفيذ تلك العقود ضمن النوعية المطلوبة صعبا للغاية وانعدام المنافسة الحقيقة لتقديم نوعية وخدمات افضل. 
12-   قطاع التعليم : بعد 2003 تدهور قطاع التعليم في العراق اكثر مما كان بسبب العقود الفاسدة لبناء المرافق التعليمية و صيانه القديم منها و عدم وجود المواصفات القياسية الحديثة واعتماد الطلبة على التدريس الخاص حيث اصبحت المدارس اليوم مجرد اماكن لاداء الامتحانات التي تشوبها عمليات تزوير و غش واسعة في كلا قطاعي التعليم الاساسي و العالي واعتماد مناهج دراسية هشه وحيث فتح الباب للمدارس و الجامعات الخاصة نرى ان اغلب تلك المدارس على وجه الخصوص يفتقر الى ادنى مستويات الرفاهية للطالب واغلبهاا بني على شكل كرفانات يتكدس فيها الطلاب في حين يجني اصحاب تلك المدارس الهزيلة على ملايين الدنانير لذلك يجب وضع مواصفات قياسية عالية وصارمة لانشاء المدارس الحكومية و الخاصة وان يرتقى بمستوى المناهج التعليمية الى مراتب عالية خاصة في التعليم الاساسي. وبالنسبة للتعليم العالي يجب ان تاخذ وزارة التخطيط دورها باجراء الدراسات ورفد وزارة التعليم العالي و البحث العلمي بالاعداد المطلوبة للاختصاصات في البلاد تؤخذ بنظر الاعتبار وبقوة عند اجراء توزيع الطلاب على الكليات و الاقسام  حيث يرغب الكثيرين من الطلبة بدراسة الطب والصيدلة و الهندسة حتى اصبح هناك وفرة غير مبررة من المهندسين و الاطباء الذين غالبا ما يعملون في مهن بعيدة عن اختصاصاتهم نجد ان هناك شحة في اختصاصات اخرى مثل المحاسبة و الاقتصاد و الاختصاصات الحرفية التي لا يدرسها غالبا الا ذو الدرجات المتدنية في الدراسة ويلعب المجتمع دورا مهما في ذلك حيث النظرة الى طالب المجموعة الطبية او الهندسية تختلف عنه للمجموعات الاخرى في حين ان كل الاختصاصات هي اختصاصات راقية ويجب ان يجري تثقيف للمجتمع. كما يجب على الجامعات اخذ النظر بانشاء كليات في الاختصاصات الغير متوفرة في العراق او في اغلب الجامعات مثل ادارة المخاطر الاقتصادية. 
 
للنهوض بالواقع المرير الذي يعيشه الفرد العراقي يجب ان تتظافر الجهود بين الوزارات كافة كما ان للمثقفين دورا مهما في تقديم الدراسات و المقترحات و تثقيف المجتمع تجاه المخاطر التي تحيط بالعراق والعمل كل من مكانه و موقعه و منصبه للنهوض بالواقع المرير الذي يعيشه الشعب بدلا من رمي الاتهامات بالتقصير على الاخرين.