سطرت لنا كتب التاريخ حادثة مهمة لكنها مرت عليها مرور الكرام لم تتناولها انامل الباحثين ولم تحللها عقول الدارسين تتجلى في قضية توافد اعداد كبيرة من الايتام الى دار الامام علي عليه السلام بعد يوم من تعرضه لضربة اللعين ابن ملجم يحملون معهم اكواب اللبن ليسقوه بها بعد ان سمعوا ان اب الايتام قد تجرع السم وان لادواء له سوى اللبن فهرعوا مسرعين تتلهف قلوبهم لسقيه، وحقيقة الامر ان هذه الصورة بحاجة الى وقفة تأمل وتحليل اذ لم تذكر لنا كتب التاريخ ان هناك من قام بجمع الاطفال او ان هنالك شخص قام بتزويدهم باكواب اللبن او ان هناك جهات دفعتهم للوقوف عند دار الامام علي عليه السلام .
وهنالك صورة اخرى اود الوقوف عندها تتجسد بان الايتام عادة يقصدون من يقوم برعايتهم ليمنحهم رغيف خبز او يكسوهم بلباس او يطعمهم او يسقيهم او غير ذلك لكن الايتام الذين قصدوا دار الامام كانوا يحملون معهم اكواب من اللبن يريدون ان يسقوه بها وهذه الصورة غير مألوفة ومغايرة للواقع، الامر الذي يجعلنا بحاجة الى دراسة لمعرفة الدافع الذي دفع هؤلاء الايتام لحمل اكواب اللبن هل كان من وراءه العوز المادي ام امر اخر وبحقيقة الحال ان الاطفال لم يكن همهم المال بقدر ما كان يهمهم بقاء الامام علي عليه السلام على قيد الحياة ومن هنا فاننا نلمس بان الامام علي عليه السلام لم يكتف بمنح الايتام الاموال فحسب بل كان يمنحهم الحنان الذي فقدوه ويمنحهم العطف الذي يستحقوه لم تغمض له عين حتى يأويهم ولم يهدأ له جفن حتى يمتع بصره بتفقدهم يتعامل معهم كأنه واحد منهم، ولعل قصته مع الاطفال الذين سمعهم يبكون وعلم من والدتهم انهم يبكون من شدة الجوع كيف قام باللعب معهم لاشغالهم عن الجوع حتى تنتهي والدتهم من طهي الطعام.
ولو استوقفنا كذلك عند وصية الامام علي عليه السلام في اخر لحظة من حياته نجده كرر كلمة الايتام عدة مرات فقد ورد فيها " الله الله في الأيتام لا تغيروا أفواههم ولا يضيعوا بحضرتكم فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول من عال يتيما حتى يستغني أوجب الله له الجنة كما أوجب لآكل مال اليتيم النار" وقال ابن الأثير إنه دعا الحسن و الحسين عليهما السلام فقال لهما "أوصيكما بتقوى الله ... وقولا الحق وارحما اليتيم وكونا للظالم خصما وللمظلوم ناصرا واعملا بما في كتاب الله و لاتأخذكما في الله لومة لائم".
ومن هنا فاننا بحاجة الى اعادة محاسبة الضمير وتطبيق وصايا الامام علي عليه السلام الذي امرنا برعاية الايتام حتى عند اخر رمق من حياته خصوصا اننا نعيش في بلد عد الان في صدارة البلدان العربية في عدد الايتام حسب ما اشارت اليه التقارير الدولية في آخر احصائية لها ان عدد الأيتام في العراق بلغ نحو خمسة ملايين طفل أي ما نسبته 16% من سكان العراق.
الامر الذي اود الوقوف عنده يتجلى في قضية تواتر معلومات سربتها مصادر مطلعة واخرى غير مطلعة عن وجود نية لدى المجاميع الارهابية لضرب المنطقة الخضراء بالسلاح الكيمياوي السام ... والتساؤل الذي يدور في ذهني انه في حال حدوث هذا الامر فماذا سيكون موقف هؤلاء الايتام فهل سنراهم يحملون معهم اكواب اللبن ليسقوا بها اعضاء حكومتنا ام اننا سنجدهم يحملون معهم اكواب من السم لسقي من بقي يتجرع الرمق الاخير من حياته ؟؟؟!!!.