هل يجوز حرمان الموظف من الحقوق التقاعدية بعد أن خدم الدولة العراقية أكثر من ربع قرن و سدد الاستقطاعات التقاعدية ؟

 

بتأريخ 17 آب 2011 نشر كاتب هذه السطور في صحيفة كتابات الغراء مقالا تحت عنوان ( هل يصح حرمان ذوي الكفاءات من حقوقهم التقاعدية ؟). ورد في المقال قضية أصحاب الكفاءات الذين أفنوا زهرة عمرهم لأكثر من ربع قرن في خدمة التعليم العالي في عراقنا الحبيب في مرحلة التأسيس و استوفوا كافة الاستقطاعات التقاعدية , ثم اضطرتهم الظروف الاقتصادية الخانقة الناجمة عن الحصار الظالم لمغادرة القطر(في عقد التسعينيات من القرن الماضي) يومها كانت رواتبهم لا تتعدى شروى نقير. ثم بعد ذلك يحرمون من إعادة التعيين في وظائفهم السابقة , و يجردون من حقوقهم التقاعدية , و تنكر عليهم الاستقطاعات المستوفاة من رواتبهم طوال فترة خدمتهم الوظيفية .
 في عام 2006 صدر قانون التقاعد الموحد رقم (27) لسنة 2006 و الذي بموجبه تم إحالة كاتب هذه السطور على التقاعد من تأريخ إعتباره مستقيلا من الوظيفة حسب الأمر الجامعي المرقم 9 / 12 / 21613 في 18 /12 /2006 و المرفق نسخة منه طيا. و بعد إنجاز معاملة التقاعد في دائرة تقاعد نينوى و تحديد الراتب التقاعدي , تم تجميد المعاملة عند نقطة إصدار هوية التقاعد, و عند الاستفسار عن سبب التأخير كان الجواب هو انتظار التخصيصات المالية. و بعد انتظار طويل جاء تبليغ رسمي من دائرة تقاعد نينوى ذي الرقم 16590 / م / نينوى في19 / 5 / 2008 لغرض مراجعة قسم التخصيص في دائرة التقاعد لاكمال النواقص الخاصة بالمعاملة التقاعدية بغية تمشيتها و إستلام الحقوق التقاعدية. و مرفق طيا نسخة من التبليغ الرسمي. و عند مراجعة قسم التخصيص في الدائرة المذكورة كانت المفاجأة هو طلب التوقيع على التنازل عن المعاملة و التخلي عن الحقوق التقاعدية. يحدث هذا في دائرة رسمية بعد مضي سنة و نصف من بدء المعاملة و إنجازها بالكامل !؟.
بتأريخ 28 أيلول 2011 جاءت إجابة من الدائرة القانونية في وزارة التعليم العالي ردا على المقالة المذكورة أعلاه.و فيما يأتي نص الاجابة طبق الأصل:
1. بعد الاطلاع على الطلب المقدم من السيد (د. امجد عبدالرزاق أحمد) الاستاذ المساعد في كلية العلوم بجامعة الموصل سابقا تبين سبق احالته على التقاعد وفقا لاحكام المادة (28) من قانون التقاعد الموحد رقم (27) لسنة 2006 التي تنص على ( يستحق الراتب التقاعدي كل من اكمل خدمة تقاعدية فعلية في الدولة لا تقل عن 15 سنة و لا يزال على قيد الحياة و حرم منها لاي سبب كان قبل نفاذ هذا القانون) كونه قد عد مستقيلا من الوظيفة لتركه العمل في العام 1997 الا ان المادة المذكورة الغيت بأثر رجعي بموجب المادة (15) من قانون التعديل الاول لقانون التقاعد الموحد رقم (69) لسنة 2007.
2. من المزمع اعداد مشروع قانون تعديل قانون التقاعد الموحد بالتنسيق مع الامانة العامة لمجلس الوزراء بما يكفل منح الحقوق التقاعدية لتاركي العمل بنص قانوني جديد يتضمنه قانون التقاعد الموحد او اعادة العمل بالمادة (28) من القانون المشار اليه في اعلاه بناء على مفاتحات عديدة من الوزارة للامانة العامة لمجلس الوزراء هدفها منح الحقوق التقاعدية لتاركي العمل منها كتابينا ذوي العددين ق / 12295 و ق / 7512 المؤرخين في 18 /3 /2010 و في 4 /5 / 2010 و كان اعتماد الرأي فيهما منبثق من ان القانون اقر حق الموظف ( المعزول و المفصول ) في الحقوق التقاعدية عند انقطاعهما عن الرابطة الوظيفية نهائيا في عقوبة العزل و مؤقتا في حالة الفصل فلا مبرر لان يحرم منها من اضطر لترك وظيفته بالتهديد و التهجير لتمنح للمعزول و المفصول على الرغم من ارتكابهما جرائم تأديبية أو جنائية في حين ان تاركي العمل قد ادو خدمة لهذا البلد و دفعوا عنها الاستقطاعات التقاعدية, فضلا عن ان الراتب التقاعدي سيتم احتسابه في مطلق الاحوال على اساس الخدمة المؤداة التي يجب ان لا تقل عن (15) سنة و قد وافقت الامانة العامة لمجلس الوزراء بكتابها ذي العدد   ق/2/2/8/1113 المؤرخ في 1 /4 /2010 على اعدادنا لمشروع قانون تعديل قانون التقاعد الموحد و عرضه مباشرة على الجهة المذكورة لمعارضة هيئة التقاعد الوطنية على الموضوع بحجة ان اعداد الفئة محل البحث ليس بالقليل و ستكلف احالتهم على التقاعد الميزانية بمبالغ كبيرة مع الاشارة ان مشروع القانون معروض حاليا امام انظار معالي الوزير .(انتهت اجابة الدائرة القانونية في وزارة التعليم العالي).
إن وعود المسؤولين عن قرب إصدار قانون التقاعد الموحد بدأت منذ خمس سنوات, و لكن المماطلة و التسويف هما صفتان متلازمتان لدى كافة المسؤولين في العراق الجديد.و المؤشرات على ذلك كثيرة . مشروع القانون معروض منذ سنتين أمام انظار معالي الوزير دون أن يفعل شئ إطلاقا .بل كانت وزارة التعليم العالي سباقة في إلغاء التعديل الثاني لقانون الخدمة الجامعية الذي كان فيه بصيص من الامل لحل مشكلة عودة الكفاءات العراقية المغتربة بحجة عدم دستورية التعديل و لم تقدم الوزارة الحل البديل. أما مجلس النواب فقد ألغى المادة (28) من قانون التقاعد الموحد رقم (27) لسنة 2006 بأثر رجعي , و حرم الموظفين الذين اكملوا خدمة تقاعدية فعلية تزيد عن 15 سنة و تصل لغاية 30 سنة . في حين شرع لأعضائه بجلسة خاطفة رواتب تقاعدية لخدمة لا تتعدى 4 سنوات , و امتيازات لا مثيل لها في كل دول العالم, علما ان هذه الرواتب و الامتيازات غير دستورية و ليست شرعية بل هي نموذج صارخ للسرقة المقننة من قوت الشعب المنكوب.في حين يعلم الشعب العراقي أن الكثير من أعضاء مجلس النواب جاءوا بالتعويض لأنهم فشلوا في الانتخابات كما أن الكثير منهم مزدوجي الجنسية و الولاء و اسرهم تعيش خارج العراق . أما هيئة التقاعد الوطنية فتستكثر على العراقيين , الذين خدموا الدولة و سددوا الاستقطاعات التقاعدية, حقوقهم المشروعة و تدعي ان اعداد الفئة محل البحث (المحرومين من حقوقهم التقاعدية) ليس بالقليل و ستكلف احالتهم على التقاعد الميزانية بمبالغ كبيرة, متناسية ان الرواتب التقاعدية تدفع من صندوق التقاعد الممول من الاستقطاعات التقاعدية المستوفاة من رواتبهم و ليس من الميزانية. كما تتجاهل هيئة التقاعد الوطنية ان ثروات العراق الهائلة هي ملك العراقيين و هم أحق بها من الطفيليين السارقين للمال العام.أما الامانة العامة لمجلس الوزراء , فحدث و لا حرج , إذ كثيرا ما نسمع و نقرأ منذ سنين الكثير و الكثير من الوعود التي لم ترى النور لحد هذا اليوم .
منذ عام  2008 نسمع تصريحات رنانة من مختلف المسؤولين بقرب صدور قانون التقاعد الموحد.و كثرت في الايام الأخيرة تصريحات العديد من النواب  انهم ينتظرون قانون التقاعد  الموحد للتصويت عليه ,و لكنهم للاسف لم يكونوا صادقين . و قد انكشف ذلك مساء يوم الاحد ( 1 /9 / 2013) حين اعلن نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة ان لجنة شكلت مؤخرا لوضع مسودة قانون التقاعد الموحد , و ذكر عشر ملامح للقانون المزمع مناقشته في مجلس الوزراء يوم الثلاثاء 3 /9 /2013. و نأمل ان يكون صادقا في قوله هذه المرة لاننا لن ننسى بعد وعوده بتصدير الطاقة الكهربائية الفائضة بحلول نهاية عام 2013.
لا يمكن ان نختم هذا المقال من دون ان نعبر عن الشكر العميق النابع من القلب لكل من شارك في تظاهرات يوم السبت الموافق 31 آب 2013 في كل مدن العراق مطالبين بإلغاء الرواتب التقاعدية الفلكية و الامتيازات الخرافية للرئاسات الثلاث و النواب و ذوي الدرجات الخاصة ممن فشلوا  فشلا ذريعا في تحقيق أي انجازات أو خدمات ملموسة بل كان كل همهم اغتنام فرصة الحكم لانتزاع أكبر المغانم من أموال الشعب العراقي المنكوب.لقد كانت التظاهرات هي المحرك الذي دفع المسؤولين لأول مرة من الاعتراف إن هذه الرواتب و الامتيازات استثنائية و غير مبررة. كما اضطر المسؤولين للتحرك على عجل في معالجة هذا الخلل الخطير في ميزان العدالة الاجتماعية. هل هذا التحرك لامتصاص حماس الشباب و تمييع المطالب أم فعلا تحرك وراءه نتائج ملموسة. هذا ما ستكشفه الأيام القادمة