محمد الصدر وسورة العصر

                            

 

بسم الله الرحمن الرحيم (( والعصر إن الانسان لفي خسر إلا الذين أمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر)) صدق الله العلي العظيم.

الخسارة والفوز من المفاهيم التي ذُكرت في القرآن الكريم مراراً وتكراراً...

ومن المؤكّد أنَّ القرآنَ الكريمَ يختلفُ مع الفهمِ المتعارفِ للفوزِ والخسارةِ الذي يقتصر اي هذا الفهم البشري على الجانب المادي أما القرآن فمفهومه أوسع وأشمل بحيث يستوعب الجانبين المادي والمعنوي...

وقد تكون الخسارة المادية هي الفوز العظيم مثال ذلك الذي يضحي بماله ونفسه فهذه خسارة مادية ولكنها هي الفوز العظيم وهذا المعنى واضح في سورة العصر التي تشير الى حقيقة الخسارة المستمرة للإنسان لأنه (في خُسر) ولكن الآية إستثنت الذين امنوا...

وصيغة الجمع تعطي إيحاءاً للسامع وإشارة الى روح الجماعة التي يكون رابطها الإيمان والعمل الصالح لإن التواصي بالصبر والتواصي بالحق لا يتحقق إلا بالجماعة وكيف يمكن للفرد المنعزل أن يتجنب الخسارة حال كونه منعزلاً؟؟ صحيح يستطيع ان يؤمن ويعمل بعض الأعمال الصالحة ولكنه لا يستطيع أن يكون مصداقاً للتواصي بالحق والصبر...

والمهم في هذه المقدمة إن الفرد في سبيل أن لا يخسر وأيضا في سبيل إيقاف هذه الخسارة المستمرة لابد أن يتحرك في المجتمع ويؤدي ما في ذمته من التكليف والمسؤولية ...

ولطالما كانت هذه السورة (سورة العصر) عبئاً ثقيلاً على المؤمن في السنين الماضية أقصد ما قبل بزوغ نورالسيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر(قدس)...

تلك السنين العجاف التي تسلط فيها صدام الهدام وعصابة البعث على رقاب الشعب العراقي وكان المؤمنون لهم حصة الأسد من هذا التسلط والظلم والجور...

وقتها كان المؤمن يزداد ألماً وحسرةً عندما يقرأ سورة العصر..... لإن الخسارة الحقيقية والعظيمة شاملة للأغلب الأعم من الناس وخصوصا المؤمنين المتدينين على قلتهم وندرتهم....

بل أصبح اليأس شيء ملازم لهؤلاء المتدينين الذين بدأوا يرددون كلمات منسوبة للأئمة المعصومين(ع) بأن العراقيين كلهم أهل نفاق وأن هذا البلاء العظيم هو بسبب دعاء الأئمة وإلى غيرها من الكلمات والروايات التي ما أنزل الله بها من سلطان..

لأن جميعها مما لا سند لها فضلاً عن كونها ضعيفة السند ...

ونفس هؤلاء المتدينون ينظرون الى الدولة الجارة أي الجمهورية الإسلامية ينظرون إليها بأنها الجنة بعينها والهجرة إليها واجبة وهروباً من جحيم صدام!!!!!.....

وبالرغم من كل الأموال التي أنفقها صدام من أجل الصد عن سبيل الله ومن أجل محاربة الشعائر الدينية ومحاربة الدين والمذهب وبالرغم من تجنيد الجيوش من المخابرات والإستخبارات والأمن والجواسيس من النساء والرجال والبعثيين وغيرهم كثير وبالرغم من المعتقلات والسجون والمشانق السرية والعلنية والمقابر الجماعية وتهديم البيوت على ساكنيها بالرغم من ذلك كله فقد بدء صدام  وعصابته البعثية القذرة بقيادة إبنه المقبور عدي في نشر الفساد والحانات والخمور والأغاني والأفلام الفاضحة والمسلسلات المدبلجة والتشجيع على السفور والدعارة.. الخ وهذه الحملة الجديدة جاءت متزامنة مع الحصار الإقتصادي الخانق الذي خنق الشعب العراقي جوعاً.. حيث لا غذاء ولا دواء ولا مال يستطيع به المواطن شراء ما يحتاجه لأجل الحفاظ على حياته..

فكان المشهد مكتملاً للظلم الشمولي..

وفي تلك الفترة إنحدرت أخلاق الناس الى درجة عجيبة وغريبة من التسافل فكانت تلك الفترة تمثل الأرقام القياسية في تأريخ العراق في عدد شاربي الخمر وعدد السارقين وعدد المرتكبين للفواحش من زنا ولواط ومن كلا الجنسين وعدد الذين لا يصلون ولا يصومون بل إن الملايين من المؤمنين يجهلون ولا يعرفون التقليد وأبسط أحكام الشريعة..

إنه بحق زمن الأرقام القياسية في التسافل الذي أراد تحقيقها صدام وعصابة البعث القذرة..

وكان المقبور صدام هو من أكبر المتسببين والمريدين لهذا التسافل للشعب العراقي بالرغم أنه في تلك الفترة اطلق الحملة الإيمانية التي كانت مجرد حملة شكلية لأنه يريد ان يغطّي بذلك على الفساد والرذيلة التي كان يموّلها بأموال الشعب المظلوم..

وما أن شعر صدام بالإنتصار على الشعب في القضاء على دينه لأنه بوضوح حارب الشعائر الحسينية التي عجز عن محاربتها الطغاة على مر التأريخ.... ما إن شعر بالنصر وتنفس الصعداء فقد أرسل الله عبده الصالح المؤمن السيد محمد الصدر(قدس) لكي يحطّم كل ما بناه صدام طوال عشرات السنين...

وقد يستغرب البعض و يتسائل كيف أرسل الله السيد محمد محمد صادق الصدر(قدس) منقذاً للشعب العراقي من ذلك الخسران المبين؟

والجواب هو أن المتتبع للسيد محمد الصدر(قدس) خلال حركته المباركة ومن خلال تصريحاته في بعض اللقاءات الصوتية حيث قال ما مضمونه إن السبب الذي جعلني أتصدى للحوزة والمجتمع والمرجعية هو التكليف الشرعي اي وجوب التصدي..

فالهدام حينما بالغ في نشر الفساد والرذيلة كان هذا بحد ذاته موضوع لوجوب تصدي السيد الشهيد محمد الصدر(قدس) لأداء المسؤولية الشرعية..

وهذا هو معنى إن الله ارسله إلينا منقذاً...

وكان(قدس الله سره) كثيراً ما يقول إننا نعيش في نعمة  خاصة......

وهذا الجواب بحسب الظاهر بغض النظر عن كون السيد محمد الصدر(قدس) كان من أعاظم العرفاء كما لا يخفى..

وسبحان مغيّر الأحوال من حال الى حال لقد تربى الشعب العراقي على يد هذا المصلح ولا يستطيع هذا القلم القاصر في وصف تلك الفترة وإعطاء حقها لأن قصص الهداية للأفراد لاتعد ولا تحصى وأنا اتحدى اي إنسان بما فيهم محبي الشهيد محمد الصدر(قدس) والذين أهتدوا على يده أن يكون فيهم واحد قد إطّلع على كل قصص الهداية التي حدثت وقتئذ ولازالت تحدث الى يومنا هذا وستستمر بعون الله تعالى الى ظهور صاحب العصر والزمان أرواحنا لمقدمه الفداء وليت شعري أن يتصدى البعض لأجل توثيق بعضها... والسر في تعذّرالإطّلاع على جميعها لأن عدد هذه القصص تجاوز الملايين فهل يستطيع الفرد الإعتيادي ان يطّلع مثلاّ على أربعة ملايين قصة.. كلا لا يستطيع...

محمد الصدر كان أمة قانتا لله..

إنه تربى على يد محمد وال محمد..

محمد الصدر كان هديه من النبي محمد (ص)..

حيث قصد  والدا السيد محمد الصدر (قدس) قبر النبي محمد (ص) في المدينة المنورة وطلبا منه ان يرزقهما ولداّ بعد إنتظار دام أربعين عاما(بحسب ما قاله السيد مقتدى الصدر في كتاب العشق الأبدي في سيرة والدي فراجع) بعد هذا الانتظار الطويل طلب هذانِ الوالدانِ الطاهرانِ الله وطلبا من رسول الله (ص) متوسلين به الى الله تعالى في أن يرزقهم الولد وكانت إستجابة الدعاء أن رزقهما الله الولد في ذكرى ولادة النبي الاكرم (ص) وولادة الامام الصادق (ع)..

إنه هدية الله لهذين الوالدين الصابرين كرامة للنبي محمد(ص) وليت شعري اي هدية واي ولد إنه قطعة من محمد (ص)..

إن فترة تصدي السيد محمد الصدر(قدس) للمسؤولية الدينية التي جعلته مربياً وقائداً وولياً ومرجعاً وحصناً للشعب المظلوم....الخ في تلك الفترة إختلفت قراءتنا لسورة العصر حيث تحقق موضوع التواصي بالحق والتواصي بالصبر وأنفتح باب الفوز العظيم على مصراعيه وإزداد عدد الداخلين فيه وأصبحت الأرقام القياسية لصالح التكامل والهداية بل ان عقد التسافل والظلمات إنحسر الى الإضمحلال والتلاشي..

ولا اريد من خلال هذه الكلمات السرد التاريخي بل المساهمة في إيصال صوت محمد الصدر صوت الحق إلى الكثير ممن لم يصلهم هذا الصوت العظيم... لأن حركة السيد محمد الصدر الإصلاحية لم تكن حركة مؤقتة في زمان بل هي مستمرة الى عصر الظهور إن هذه الحركة الرسالية الربانية المباركة تمثل المشعل الوضّاء لعصر الغيبة الكبرى.. وحيث أنها غير مؤقتة بزمن فإن الأجيال القادمة سوف تهتدي بنور السيد محمد الصدر(قدس) فالمسؤولية على عاتقنا جميعاّ وخصوصاّ من عاصر السيد محمد الصدر(قدس) في إيصال هذه الحركة المباركة بأمانة وصدق لكي يتسنى للأجيال القادمة من العراقيين وغيرهم من المسلمين والبشر للإطّلاع عليها والإنتهال من نورها ولكي تكون كما كانت سبباً للهداية والتوبة..

وهذه المهمة ليست باليسيرة ما لم تتظافر جهود المؤمنين المخلصين...

ورجوعاً الى سورة العصر نجد أن السيد محمد الصدر(قدس)المصداق الأعظم والأوضح في عصر الغيبة الكبرى أي مصداقاً لمن إستثنتهم سورة العصر من الخُسر..

فهو من أعظم المؤمنين العاملين بالصالحات وهو الذي أوجد التواصي بالحق والتواصي بالصبر بين المؤمنين..

وكانت من وصاياه (الدين بذمتكم والمذهب بذمتكم).. وكذلك (إستمروا على صلاة الجمعة حتى لو مات السيد محمد الصدر )..وكذلك أوصى المؤمنين بالحفاظ على هذا الزرع أسأل الله أن يوفقنا في الكتابة عن السيد محمد الصدر(قدس) بما يحب ويرضى إنه حميد مجيد.