سوريا 1- استبيانات شعوب دول المحور الأمريكي ودلائلها |
استبيانات الرأي لشعوب دول محور الهجوم العسكري الأمريكي على سوريا، وردود أفعال الساسة الذين يحكمون تلك الدول، تعطينا ملاحظات أساسية وثمينة حول الصراع بين الديمقراطية والقوة داخل تلك الدول، تساعدنا على فهم ما يجري وتوازناته، بل وكذلك تساعدنا على فهم العالم الذي نعيش فيه. لندخل مباشرة إلى تلك الإستبيانات:
1- أميركا: ما يقارب 80% من الأمريكان رأوا أن الرئيس اوباما احسن صنعاً بطلبه تأييد الكونغرس. ويرى 50% من الامريكان ان بلاده يجب ان لا تتدخل (مقابل 42%) حتى بعد قصة الكيمياوي، لكن نسبة أعلى تؤيد التدخل حسب الإحصاء (50% مع مقابل 44% ضد) إذا كان محدوداً بإطلاق صواريخ كروز من سفن البحرية وعدم التدخل على الأرض وتعريض الأمريكان للخطر. (1)
ويعطي إحصاء آخر اشارت إليه رويتر أرقاماً أخرى، حيث بينت أن 53% من الأمريكان ضد الحرب مقابل 20% معها ، ولكن ذلك انخفض عن الرقم السابق الذي اعلن قبل أسبوع منه وقبل إعلان قصة الاسلحة الكيمياوية، والذي بلغ 60% ضدها مقابل 9% فقط يؤيدها. وحين سئلوا ما إذا كان يجب التدخل إذا استخدم الأسد الأسلحة الكيمياوية، اجاب 29% منهم بنعم مقابل 44% بلا، وكان التأييد 25% مقابل الرفض 46% في الأسبوع السابق. (2)
وكشف استبيان نشر في 27 آب، أن في الكونغرس أغلبية كبيرة رافضة للحرب، وأن الرفض الشعبي الأمريكي يقارب ضعف رفض الكونغرس للحرب: التأييد (9% شعبي 15% كونغرس) (3)
2 – بريطانيا: في استبيان للكارديان حول رأي البريطانيين المباشر في التدخل العسكري في سوريا، صوت برفض التدخل 60% منهم، استناداً إلى مستوى الأدلة المقدمة (الضعيف)، وهو ما يقارب ثلاثة اضعاف المصوتين لصالح التدخل (البقية لم تحدد موقفها). وتبين أن الحل المفضل بشكل كبير هو الحل الدبلوماسي (أنظر الرسم البياني – الجزء الأيمن) وكانت نسبة المصدقين بأن كامرون يريد التدخل بالفعل بسبب قصة السلاح الكيمياوي لم تزد عن 21% ، وقال 71% أن اعمال التدخل العسكرية في ليبيا وافغانستان والعراق جعلتهم أقل رغبة في دعم المشروع. (4)
رابط للصورة: http://sphotos-b-ams.xx.fbcdn.net/hphotos-prn2/q71/s720x720/1234866_569215009802239_1512717884_n.jpg
وحسب إحصاء آخر اعلنته البي بي سي، فإن ما يقارب ثلاثة ارباع البريطانيين (71%) يرون أن مجلس العموم اتخذ القراء الصحيح برفض التدخل العسكري لبريطانيا في سوريا (الجزء الأسفل الأيمن من الرسم البياني) وتبين أن البريطانيين لا يعتقدون أن موقف البرلمان بمنع العمل العسكري سيضر بموقف بلدهم دولياً. (5)
3- فرنسا: الرئيس الفرنسي هولاند يمتلك الصلاحية لإعلان الحرب بدون موافقة البرلمان، لكنه شديد القلق من نتائج الإستبيان المنشورة في "لو باريسيان". بين الإستبيان أن 64% من البلاد "يقف موقف العداء" المشاركة في الحرب ، ويرى 58% أنه لا يثقون بهولاند لإدارة أية عملية. وخشي أكثر من ثلث المصوتين أن تحول العمليات العسكرية سوريا من دولة علمانية إلى دولة إسلامية الحكم. وخشت نفس النسبة تقريباً أن العمليات العسكرية سوف تشعل المنطقة، وقال خمس المصوتين أنها لن تغير حياة المواطن الإعتيادي (نحو الأفضل). وعبر 17% من المصوتين عن شكهم بضوح الدلائل باستعمال الأسد للأسلحة الكيمياوية. لكن المحللة سيلين براك نبهت أن الشعب الفرنسي سينسى اعتراضاته ويدعم الحملة إذا ما انطلقت وقامت فرنسا بمشاركة الولايات المتحدة فيها. وقال هولاند في مقابلة لصحيفة لوموند بأن "كل دولة تحتفظ بالحق السيادي في القرار في المشاركة في العملية أو عدمها، وأن هذا ينطبق على بريطانيا مثلما ينطبق على فرنسا". وقال هولاند "إذا "فشل" مجلس الأمن بالتحرك، فسوف يتكون تحالف، وسيكون أوسع ما هو ممكن"، وأن التحالف سوف يستند إلى الجامعة العربية التي أدانت الجريمة وأشعرت المجتمع الدولي بها، وسوف يحظى التحالف بتأييد الأوروبيين". (6)
وبين استبيان آخر للرأي أن 59% من الفرنسيين يقف ضد تدخل بلاده في الحرب على سوريا، ولكن 55% سوف يؤيدون.أي تحرك للأمم المتحدة، للرد على استخدام الأسد للأسلحة الكيمياوية. 55% من الفرنسيين أيد التدخل في أفغانستان و فقط 36% ايد التدخل في ليبيا، و60% للتدخل في مالي. (7)
4- المانيا؟: وفق قناة زد دي إف التلفزيونية، فان الغالبية من الألمان يعارضون الحرب على سوريا. وكانت النسبة 58% مقابل 33%...(8)
**** ونلاحظ بوضوح ورغم الإعلام الشديد التحيز والتأثير لصالح إعلان الحرب في الدول الثلاثة التي تشكل محور الحرب على سورية (أميركا وفرنسا وبريطانيا)، فأن أغلبية واضحة بقيت ضد الحرب بشكل عام. الفرق واضح بين موقف الشعوب من الحرب وبين ساستها. فيذهب بعض الساسة في اندفاعهم الهستيري نحو الحرب، وأنزعاجهم من عرقلة وصولهم إليها، أن يفقدوا اتزانهم ومنطقهم. فهاهو رئيس فرنسا بعظمتها يهذي عن "الحق السيادي" لكل دولة من الدول، بالمشاركة في الإعتداء على دولة أخرى، أو عدم المشاركة فيه! أما السناتور الأمريكي ماكين، والذي قضى شطراً من عمره يقصف الفلاحين في فيتنام، فاندفع يحاول أن يشرح لوزارة الدفاع الأمريكية كيف يجب الهجوم على سوريا وأي الأسلحة يجب أن تستعمل، وهو ما اعتبره البنتاجون إهانة له باعتباره يتهمه بأنه لا يعرف عمله! (9)
كذلك بين الصراع بين ساسة هذه الدول وشعوبها حول سوريا، عدم ثقة شعوب هذه البلدان بحكوماتها ودوافعها. فالتظاهرات التي تعم أميركا كانت مغرقة باللافتات التي تؤكد أن تلك الحرب مؤسسة على "كذبة"، أسوة بعموم الحروب التي خاضتها أميركا علناً، من اليابان إلى فيتنام إلى العراق.
فضح تلك الأكاذيب المتتالية ونشر الحقيقة بين الناس، كان له تأثير كما يبدو واضحاً، رغم أن الإعلام الأمريكي مازال يحقق النجاحات المدهشة في تمرير القصص الوهمية. وفي العادة كان رد الفعل يأتي متأخراً. ففي حرب فيتنام لم يأت الرفض الشعبي الأمريكي إلا بعد سنوات من بدئها وسقوط عشرات الآلاف من القتلى الأمريكان فيها. ولكن في حرب العراق كانت التظاهرات تعم العالم قبل أن تبدأ الحرب! أما اليوم فأن رد الفعل الشعبي والبرلماني المسبق قد عرقل حتى إعلان الحرب، وأحرج الداعين لها إحراجاً كبيراً.
نلاحظ إذن أنه، وهنا يثار التساؤل الطبيعي: بمن يسترشد هؤلاء الساسة في قراراتهم؟ أليسوا قادة العالم المتحضر، الذين يرفعون شعار الديمقراطية ليس في بلدانهم فقط، بل في العالم كله؟ أليس هؤلاء هم أنفسهم من يؤكد ليلاً ونهاراً مفاخراً بديمقراطية بلاده باعتبارها التراث الأساسي الذي تتفوق به على البلدان الأخرى المسكينة التي لا يستمع حكامها إلى آراء شعبهم؟ بل أليس هؤلاء هم من حاولوا إقناع العالم أن حبهم للديمقراطية أنهم مستعدون لدخول الحروب وتقديم الضحايا من أجل أن تحل الديمقراطية في بلدان العالم الأخرى أيضاً، وتتمتع بها شعوبها أسوة بشعوبهم؟ كيف يمكن أن يكون مقبولاً ليس فقط تجاهل آراء الشعب، وإنما حتى توجيه اللوم الشديد علناً من قبل الإعلام وبعض الساسة الأمريكان لأوباما لمجرد أنه قرر أن يستشير ممثلي الشعب هذه المرة؟ هل الديمقراطية إلا الإستماع إلى الشعب ورأيه في إدارة بلاده وقراراتها؟
سيقول قائل: صحيح هذا الكلام، لكنه لم يعد ممكناً. إنك تتحدث عن "الديمقراطية المباشرة" التي كانت تحكم أثينا بها قبل ألاف السنين، عندما كان عدد السكان يسمح أن يعبر كل فرد عن رأيه مباشرة بكل قرار، برفع الأيدي في ساحة المدينة. لكن ذلك لم يعد ممكناً حين تكاثر الناس، فاضطروا إلى "الديمقراطية التمثيلية" التي ينتخب فيها المواطن من يمثله، وأعطاهم الحرية في اتخاذ القرارات بالنيابة عنه. تلك هي روح "الديمقراطية التمثيلية" التي هي الحل العملي الممكن.
وأقول: صحيح أنه لا مفر من حرية ممثل الشعب في اتخاذ قرار حين يصعب عليه أن يعرف رأي الناس الذين يمثلهم، لكن هذا لا يعني أنه حر في أن يتجاهل ذلك الرأي حين يعرفه! ليست هذه هي المرة الأولى التي يحاول فيها الحكام المنتخبون في الغرب جهدهم لتجاهل رأي شعبهم في قضية. ومازلت أذكر حين أعلنت الأمم المتحدة في تشرين الأول 2003 نتيجة استبيان بين شعوب الإتحاد الأوروبي حول الدولة التي يرونها تمثل الخطر الأكبر على السلام العالمي، وكانوا يأملون أن تكون إيران أو كوريا الشمالية أو حتى العراق الذي كان قد تم احتلاله تواً، بعد أن اشبعوا هذه الشعوب ترهيباً من هذه الدول. لكن المفاجأة غير السارة كانت أن شعوب جيمع دول الإتحاد الأوروبي بلا استثناء، أختاروا إسرائيل كأكبر خطر على السلام في العالم وبمعدل مذهل بلغ 59%! (10)
ماذا فعل ممثلوا الشعوب الأوروبية أمام هذه الحقيقة؟ حاولوا في البدء منع نشر التقرير! فهم لا يريدون أن يعرفوا رأي شعبهم، ولا يريدون أن تعرف شعوبهم أنها تتفق على ذلك الرأي. وبالفعل تأخر كثيراً لكن لم ينجحوا في منعه. أذكر حينها أن صحفياً سأل أحد الساسة الهولنديين عن إذا ما كان سيترتب على ذلك أية مراجعة لسياسة هولندا الداعمة بشدة لإسرائيل، فما كان منه إلا أن استنكر، وقال أن نتيجة الإستبيان لا تهمه، وكان شعب هولندا صاحب الرقم القياسي في ذلك الإستفتاء بـ 74% !
لم تكن تلك المرة الأولى التي ألاحظ فيها ابتعاد ساسة هولندا عن آراء شعبهم قصداً، فقد ارسلت هولندا جنودها إلى أفغانستان ومددتها تكراراً، بالرغم من المعارضة الشعبية التامة لذلك، وسقطت من جراء ذلك حكومتين. وكذلك وقعت حكومة فورتان إتفاقاً مع أميركا لصناعة طائرات الـ جي إس إف، بالرغم من المعارضة التامة للشعب وكادت تحطم حزب العمل في حينها. وقد رأينا الشعب البريطاني كغيره من الشعوب الأوروبية تخرج في تظاهرات عارمة ضد الحرب على العراق، إلا أن بلير لم يهتم بذلك، وسقطت حكومة أسبانيا لنفس السبب.. هذه أمثلة من ذاكرتي، ولو بحثنا لوجدنا أكثر من ذلك بكثير.. لعلكم تلاحظون أنه في كل مرة تتصادم إرادات الساسة الأوروبيون مع شعوبهم، تكون في القضية أما إسرائيل أو أميركا. فليس غيرهما قادر على فرض إرادته على الحكومات المنتخبة لتلك الشعوب، وتنتصران عليها غالباً!
واليوم في قضية سوريا؟ لأي شعب يستمع حكام أميركا وأوروبا؟ الشعب الوحيد الذي يريد هذه الحرب هو الشعب الإسرائيلي! فقد بينت إحصائية مؤخراً أن الأسرائيليين يؤيدين أن يضرب الامريكان والأوروبيون سوريا بنسبة 66.6% (17% ضد) ولكن ليس أن تقوم إسرائيل بنفسها بالضربة ! فقد عارض ذلك 77%، وقالوا أن إسرائيل يجب أن لا تتورط! (11)
من أجل تحقيق هذه النتيجة، تستعمل أساليب علمية مدروسة على مدى عقود طويلة وبذل من أجلها جهد عظيم وأموال طائلة. ولعل من أكثر الكتب قيمة حول قصة دفع الشعوب إلى قبول ما لا تريده هو كتاب جومسكي: "صناعة الإذعان" (Manufacturing consent) (12) وقد نشر كفلم ايضاً (13) وأهم الأساليب المتبعة لذلك إضافة إلى الأكاذيب الإعلامية، هي إثارة الخوف!
يقول أحد الكتاب على الإنترنت: كانت هناك فترة في تاريخنا كانت الحكومات قادرة على ان تقنعنا بأن جميع البلدان مليئة بالوحوش الشريرة التي يجب التعامل معها لتأمين سلامة "الوطن". هذه الأسطورة لم تعد موجودة. (14)
لا نستطيع أن نتفاءل إلى حد اعتبار أن تلك قد أصبحت أسطورة فعلاً، لكن مقارنة قدرات تلك الحكومات بالأمس ونجاحاتها في تحقيق ما تريد دائماً وبلا مقاومة، مع ما يحدث في الفترة الأخيرة، يهمس ببعض التفاؤل.
(1) NBC poll: Nearly 80% want congressional approval on Syria http://www.cnbc.com/id/100999169 (2)Most in U.S. still oppose Syria strike as Obama seeks action (3) New Poll Shows 9% Approval Rating For Intervention in Syria (4) Poll finds 60% of British public oppose UK military action against Syria (5) BBC News - Syria crisis: MPs 'right to reject military action' - BBC poll (6) French oppose military intervention in Syria and don't trust Francois Hollande to carry it out (7) Majority of French oppose Syria intervention - The Local (8) Poll: majority of Germans oppose military intervention in Syria, against backing US-led action (9) ماكين يعلم البنتاكون أصول الحرب (10) EU poll: "Israel poses biggest threat to world peace" (11)Polls: Israelis want US, Europe to attack Syria, but against IDF intervention (12) Manufacturing Consent: The Political Economy of the Mass Media http://www.amazon.com/Manufacturing-Consent-Political-Economy-Media/dp/0375714499 (13) Noam Chomsky Manufacturing Consent - YouTube
روابط إضافية:
(14) New Poll Shows 9% Approval Rating For Intervention in Syria Text of Draft Legislation Submitted by President Obama to Congress Seeking Support For An Attack On Syria (15) Former Bush official: Syria resolution could authorize attack on Iran and Lebanon (16) نص التقرير الأميركي حول استخدام الحكومة السورية للأسلحة الكيميائية إن إدارة الولايات المتحدة "تجزم" و بثقة كبيرة أن الحكومة السورية نفذت هجوماً بالأسلحة الكيميائية
|