مشكلة اي تقييم لأعمال تجارية في عراق اليوم ، ارتباطها بقضايا الفساد المالي والاداري والهدر الاقتصادي ، واي حديث عن المصرف العراقي للتجارة ، يمثل منطلقا لهذه الحقيقة في اي استعراض موضوعي لانجازاته ، لكن الحقيقة الاخرى ان تقييم اعمال هذا المصرف الذي اسس لفتح اعتمادات لتمويل التجارة العالمية لتسيير اعمال الدولة العراقية قد جعل اعمال هذا المصرف إنجازا بحد ذاته انتكس فيما بعد ، فبعد ان حققت الادارة الاولى انجازات التاسيس والتوسع واخراج العراق من اليات التعاملات المصرفية القديمة النتائج رغم الظروف الصعبة وبرهن أن العراق قادر لتحقيق ما يصبو اليه فبقدراته البشرية والطبيعة له القدرة لمنافسة البلدان المتطورة. وليس المصرف العراقي للتجارة إلا مراة تعكس ما يمكن أن ينجزه العراق. فيما فشلت الادارة الثانية في استثمار ما تحقق من إنجازات ما يمكن وصفه باستثمار امثل لتلك الاسس التي قام عليها هذا المصرف .
واذا قارنا التقارير التي أصدرتها الشركة العالمية لتدقيق الحسابات المصرفية للسنوات 2010 الذي صدر في شهر مايس عام 2011 وتقرير 2011 الذي صدر في شهر مارس عام 2013 (بعدالتأخير لأكثر من عام) سنلاحظ بأن تقرير عام 2013 لم يكن كفؤا بسبب التغيرات التي اتخذتها الادارة الثانية والتي لا تتماشى مع المعايير الحسابيه. سنلاحظ انه تم شفط أكثر من 1 مليار دولار من حسابات المصرف مع المصارف العالمية. كما أن هناك تعديلات تصل قيمتها الى 1 مليار في الايداعات الاجنبية وهكذا تم تقليل الموازنات لدى لمصارف الاجنبية. إن تلك القيود هي التي ادت الى ان تقوم الشركة العالمية للتدقيق بتدقيق الحسابات بتأهيل التقارير المدققة، بما يؤكد ان الاجراءات التي اعتمدت من قبل الادارة الجديدة للمصرف يشوبها الكثير من شبهات الفساد ، مراجعة بسيطة لمواقع الانترنيت ، بان هذه الادارة لها مواقف ابسط ما يمكن وصفها بكونها " تحت طائلة المحاصصة " التي جاءت بها العملية السياسية ومنها ما يذكره الكاتب فواز الفواز في مقاله له قال فيها " ربما هناك من لا يعرف من هي حمدية الجاف، إنها مديرة المصرف العراقي للتجارة (T. B . I) والسيدة المقربة لكبار ساسة البلد ابتداءً من السيد المالكي نزولا لأبسط تاجر وهي التي تجيد فن اللعب بالممنوع بغطاء رسمي مدفوع الثمن وهي السيدة التي لها (مقبولية) كبيرة عند السيد المالكي لدرجة أن كلمتها لا تنزل للأرض وربما لو كنت أعرف هذه السيدة وأنا بمنصب وكيل وزارة لأصبحت وزيرا بضحكة هاتفية من فم السيدة (لمسامع المالكي)..
والسؤال كيف تدير الحكومة اموالها بهذه الطريقة ؟؟
مسيرة الالف ميل
لقد أسست سلطة الائتلاف المؤقتة المصرف العراقي للتجارة بموجب القانون رقم 20 بتاريخ 17/ 7/ 2003. كان الوقت حرجا بالنسبة للعراق الذي بدأ استعادة عافيته بعد الاطاحة بنظام صدام حسين. كانت صادرات البترول العراقي تحت سيطرة الامم المتحدة وتم تأسيس صندوق تنمية العراق حديثا . وكان ما يستورده العراق تحت سيطرة مذكرة التفاهم المبرمة بين النظام السابق والامم المتحدة المثير للجدل (النفط مقابل الغذاء) وبسبب المقاطعه فان العراق أقصي كليا من القطاع المالي العالمي.
وكان الدائنون واصحاب الدعاوي ضد العراق بالمرصاد عيونهم مفتوحة على أي ممتلكات عراقية يمكن الاستحواذ عليها. كان يتوجب اعادة هيكلة الديون الخاصة والقطاع العام والتي بلغت 150 مليار دولارا أمريكيا. كانت المصارف الحكومية عرضة لخطر الدائنين ولم تستطع العمل خارج العراق. وكانت المصارف الخاصة محدودة برؤوس أموالها وممتلكاتها للقيام بأي دور فعال في هذا المجال. وتدنى سعر صرف الدينار العراقي ليصل الى حوالي 2000 دينار للدولار الواحد وكان فريسة للتزوير.
وتحت هذه الظروف تم تأسيس المصرف العراقي للتجارة لتسهيل النشاط المالي التجاري بالعراق. وبقرب موعد انتهاء مذكرة التفاهم ( برنامج النفط مقابل الغذاء) في 11/٢٢/ 2003 كان العراق بحاجة ماسة لايجاد طريقة جديدة لتمويل استيراداته لان المقاطعة الاقتصادية حدت من امكانية ذلك من خلال السيطرة المطلقة للامم المتحدة.
تم تعيين الاستاذ المصرفي حسين عصام الازري في الشهر العاشر عام 2003 الذي وضع اللبنات الاولى للمصرف في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) من العام ذاته وبدأ فعاليته وأصدر أول اعتماد مالي في الخامس من شهر كانون الاول (ديسمبر) لذاك العام. وقد منحت الحكومة المؤقتة المصرف مبلغا قدره مليون ومائة الف دولارا امريكيا كدفعة من المبلغ الكلي الذي خصص له والبالغ قيمته 100 مليون دولار للبدء بمزاولة نشاطاته. وبدأ المصرف بمزاولة نشاطاته من غرفة واحدة في الطابق الثالث للعمارة التي يشغلها البنك المركزي العراقي. ولم يكن للمصرف إلا خطا هاتفيا واحدا فقط موصل بالانترنت واحد عشر موظفا فقط. وللمرة الاولى أصبح العراق قادرا ومنذ عام ١٩٨٩ على اصدار اعتمادات ماليه مباشرة ودخل ثانية الى قطاع التداول المالي العالمي حيث كان العراقيون قبل ذلك يلجأون الى المصارف الاردنية وغيرها لتلبية حاجاتهم المصرفية.
وكانت مهمة المصرف الاولى باثبات نفسه وممارسة نشاطه التجاري المالي بسرعة وحماية نفسه من الدائنين واصحاب الدعاوى، ولاجل بناء المصرف كانت الادارة جادة لوضع نظام مصرفي جديد وفق المعايير العالمية، لقد بدء المصرف براس مال قدره مئة مليون دولار ووصل إلى 1.7 مليار دولار من أرباح المصرف المتراكمة أمريكي وله موجودات بقيمة 15 مليار دولار واصدر اعتمادات ،وكان أول مصرف عراقي لتبني انظمة التداولات المصرفية عبر الانترنت، كما اصدر بطاقة الفيزا الائتمانية وتبنى سياسيات وإجراءات ضد غسيل الاموال وربط جهازه برويتر فوركس للتداول العالمي للعملة. واصبح المصرف خاضعا لتدقيق حساباته عالميا.
وأكبر ما حققه المصرف على الصعيدين الداخلي والعالمي هو سمعته هي ان المصرف وموظفيه لديهم سمعة عالية لدى المجموعة المصرفية العالمية.
وقد حصل المصرف على جوائز عديدة لأنه كأن افضل مصرف بالشرق الاوسط للتجارة الدولية . كما واصبح المصرف عضوا فعالا في المعهد المالي العالمي وحصل على مقعد في المجلس الاستشاري للبلدان الناشئة.
ومما هو مخالف للواقع، فانه في الوقت الذي عزل رئيس الوزراء مدير المصرف حسين الازري من منصبه كانت مجلة الشرق الاوسط عام 2011 قد أوردته بأنه احد الشخصيات الخمسين المؤثرة في قطاع رجال الاعمال في الشرق الأوسط...
.
الهجمات الارهابية...
بحلول عام 2008 اعتبر مصرف العراقي للتجارة جزءا حيويا من الاقتصاد العراقي حيث أصدر وبنجاح اعتمادات مالية لكل استيرادت الحكومة العراقية بضمنها مشاريع البنية التحتية، بطاقة الحصة التموينية والصحية. وبحلول عام 2008 أصدر المصرف العراقي للتجارة اعتمادات مالية بلغت قيمتها أكثر من 45 مليار دولار، وكان يلعب دورا مهما في استقرار والتطبيع في العراق. واعاد المصرف العراق الى الخارطة المالية العالمية. واصبح المصرف والعاملين فيه وبسبب الدور الحيوي الذي بدأ يلعبه هدفا للارهابيين والمنظمات التي كان هدفها ابقاء العراق في فوضى حيث إذا تم تدمير المصرف لم يعد للعراق وسيلة لتمويل تجارته، وسيجبره الى اللجوءالى المصارف في بلدان أخرى كالاردن ولبنان والامارات العربية المتحدة. وأسوء الهجمات التي تعرض لها المصرف تلك التي حدثت في5/ 9/ 2008 حيث استهدف انتحاريا موكب مدير المصرف حسين الازري مسببا جروحا وحروقا خطيرة له ولـ7 اشخاص من افراد حمايته. ولم تكن هناك خسائر بالارواح باستثناء الانتحاري.
أما الهجوم الثاني الذي نفذه إرهابيان بسيارتين كانا يحاولان اقتحام مبنى المصرف في صباح 20/ 6/ 2010 والذي لم يكن بين الهجومين إلا فترة زمنية قصيرة جدا (1.5 دقيقة) فقد خلف ولسوء الحظ أربعة ضحايا من أفراد حمايته حيث استهدف الارهابي الاول بسيارته نقطة التفتيش الاولى الذي هيأ الفرصة للارهابي الثاني أن يهاجم بسيارته نقطة التقتيش الثانية. لقد دمر الانفجاران المبنى تدميرا كبيرا لا يمكن أصلاحه. يجب أن أذكر هنا أن الجهود البطولية لموظفي المصرف للتعافي من ذلك الهجوم تجسدت بمواصلة اعمالهم المصرفية من مكان أخر ..
القطاع الخاص..
وعلى الرغم من كل الشعارات التي رفعتها الحكومة العراقية فانها استمرت بالنظر بعين الشك للقطاع الخاص وكان شعور الحكومة من ان القطاع الخاص موجود لتحقيق الارباح واغتصاب الحكومة والشعب العراقي واضحا في اروقة الحكومة ولهذا وكرد على هذا فقط ابقى القطاع الخاص رؤوس أمواله خارج العراق. لقد قدم المصرف العراقي للتجارة سياسية اقراض حديثة تماشيا مع التطور الجديد في العراق هدفت الى تقليل المخاطر ومساعدة القطاع العراقي الخاص بالمساهمة الفعالة في اعادة بناء العراق. واعتبرت المصارف العراقية في نظم السياقات القديمة التي تستوجب تقديم القروض مقابل املاك عقارية واراضي كضمانات لاي تسهيلات مالية. وفي الواقع لا يمكن اعادة بناء بلد كامل بالاعتماد على هذه.السياقات.
وقد ذكرت مديرة المصرف التي عينها المالكي خلفا للازري في مناسبات عديدة بأنها استعادت مبالغ من400 الى 500 أوالى 750 أوالى مليار دولار. كما صرح رئيس الوزراء العراقي السيد نوري المالكي متفاخرا بان الادراة الجديدة التي عينها استرجعت ماقيمته 1.5 مليار دولار من مبالغ القروض. ولنا أن نتسائل هل أن تلك المبالغ التي استعادها المصرف بهذه السهولة كانت لقروض سيئة؟ الم تمنح تلك القروض لتمويل مشاريع موجودة على الارض وجدية؟ فأذا القينا النظر على تلك المشاريع التي مولها المصرف فعلا لوجدناها مشاريع موجودة على ارض الواقع وجدية كمصانع الطاقة والمشاريع الصناعية الاخرى.
الشركات الخاصة.
كان قرار المصرف بمد يد العون للقطاع الخاص باشكاله المصرفية أو الشركات قرار صائبا وواعيا. وبلغت ارباح المصرف من القطاع الخاص %25 .كان مهما لمساهمة الشركات العراقية في اعادة بناء العراق.
تبنى المصرف سياسات اقراض صائبة حديثة
واصبحت الشركات العراقية قادرة على اصدار خطابات الضمان والاعتمادات وارسال العطاءات بريديا وتفديم العطاءات على السندات التفضيلية والاعتمادات المالية لتكون قادرة للتقديم العطاء وتنفيذ العقود .وكان المصرف يدعم المصارف الأهلية بما أتى له من جهد وسعه ..
وعلى الرغم من أن القروض لم تشكل إلا نسبة صغيرة من بيان ميزانية الحسابات المصرفية.
المصارف الخاصة..
تم تحويل كل الاعتمادات التي تقل قيمتها المالية عن 4 مليون دولار الى المصارف العراقية الخاصة التي اشتركت في هذا البرنامج.
كما تم تحويل 70% من الاعتمادات الماليه الى المصارف.
وعمل مصرف العراقي للتجارة مع مثيلاته من المصارف الاخرى لمساعدة المصارف العراقية لبناء مثل تلك العلاقة.
وكفل المصارف الاخرى لإصدار بطاقة الائتمان (الفيزا) واقدم على تقديم الجهود لتدريب كوادر المصارف الأخرى .
وأخيرا استطاع السيد المالكي وللأسف ان يسير بالمصرف على نهج مصرف الرشيد والرافدين مما أدى إلى تراجع ماانجزه المصرف من إنجازات تتناسب مع سياقات المصارف الدولية .. ومااقدم عليه السيد المالكي من تغيرفي آليات المصرف وقياداته هو ترسيخ لآليات قديمة متبعة في مصرفي الرشيد والرافدين.. وهذا بحد ذاته كفيل بخروج هذا المصرف من درجات نالها في تقديرات البنوك الدولية' إلى مصاف المصارف المتخلفة والباليه .. للأسف مرة اخرى ان ما اقدم عليه السيد المالكي من نهج وتصرف بلا خبرة ولا دراية قد ساهم في طعن هذا المصرف بخنجر أبقاه بين الحياة والموت .. ولا سبيل ولاحل الا بعودة السيد المالكي عن قراره والعودة به إلى نهجه الأول كي يسير بخطى سليمة تتعلم منه المصارف الأخرى .. لأكما هو العكس .
|