في إحدى المعارك "الطاحنة" بين شعراء القصيدة الشعبية التقليدية والجديدة مسك شاعر "مچرّو" أي لابس چرّواية، بالشاعر كاظم الرويعي وصاح به صيحة هزت أركان المكان: لو ردنه اعراب الجمل شنهو محلك منها؟ لا حرف جر ولا نصب لا جازمة انسكنها تذكرت ذلك البيت التقليدي في اللحظة التي تلقيت فيها نبأ تفجيرات مساء الثلاثاء الأسود التي هزت أركان بغداد من كل الجهات. ركضت صوب التلفزيون أستطلع تفاصيل الكارثة فلاحت لي بين اللقطات صورة "دولة الجار". صحت به بصوت أعلى من صوت صاحب "الجرواية" لكن بدون وزن أو قافية: ما تكلي انت شنو؟ والله العلي العظيم ما أعرف انت شنو: هل تقره وتكتب؟ ما أدري عسكري أم مدني؟ ما أعرف شجاع أم خواف؟ هم ما أدري. فلو كنت شجاعا لما ضممت رأسك ليلة الأربعاء وحبست أنفاسك بعد أن مر على بغداد مساء ثلاثائها يمطر موتا وهي ترتجف تحت وطأة المفخخات. ولو كنت خوّافا لما أمرت قواتك "السواتية"، قبل أيام، بضرب المتظاهرين المسالمين والعزّل في ساحة التحرير والناصرية. انت شنو، شيعي مثلا؟ شو حال الشيعة بجال "دولتك" تبكي من لا رحمة بقلبه: إبادة جماعية مستمرة وذبح يومي وسلخ وبطالة وفقر. زين هل انت سني؟ شو هم لعبت بالسنة جولة. لا والنوب حتى أبطال الصحوة صاروا، بفضلك، ما يسلمون على أطفالهم ونسائهم من الذبح. هل أنت ضد البعث أم معه؟ والعباس ما أدري. إذا ضده، شو من أجل أن تبقى بالكرسي لبست الاجتثاث كله. وها هو مكتبك ما شاء الله فيه رائحة "الرفاق" تشم على بعد أميال. وإذا معاه، لعد ليش حسره على اللي ينقد أو يتظاهر ضد ظلمك تصيح: هذا بعثي؟ زين هل انت مسلم؟ والله اشمدريني. أسمع كلامك أصدقك أشوف عمايلك أستغرب! هل أنت مختار العصر فعلا؟ هذا غير مختار اللي ما يطلع الراس الدربونه. يا عم قل مختار محلة مثلا! ولو الشهادة لله حتى مختار المحلة من يشوفها انكبت بالتفجيرات والجثث تتطشر بالشوارع هم يركض يشوف شصار بالوادم. وأخيراً وليس آخراً أسألك: هل تعرف تسوق؟ تره صدّكني هم ما أدري!
|