لماذا … التظاهرات وهاجس المالكي

 

مابين تأييد رئيس الحكومة  لمطالب المتظاهرين  في الغاء رواتب البرلمانيين وبين رفض اعطائهم الرخصة للتظاهر ومن ثم اتخاذ الاجراءات لعرقلة توافدهم والاتجاه صوب مكان التظاهر وصولا الى حدوث بعض التصادم بين البعض منهم وبعض الاعلاميين من جهة وبين قوات الأمن المدججة بالسلاح من جهة ثانية , يقف المتابع أمام حقيقة وجود سبب آخرادى الى بروز هذا التناقض الظاهر في الموقف الحكومي فكيف يؤيد رئيس الحكومة مطالب المتظاهرين وبقوة وبنفس  الوقت لايسمح لهم بالتظاهرويستخدم القوة لعرقلة تظاهراتهم التي أصروا عليها ؟.
الجواب واضح من طبيعة الموقف من التظاهركاسلوب للتعبير عن الرأي ليس في هذه القضية فحسب انما في جميع التظاهرات التي حاول الموطنون تنظيمها وخاصة في ساحة التحرير القريبة من المنطقة الخضراء حيث يتم قطع الجسور المؤدية الى صوب الكرخ  وتحتشد اعداد كبيرة جدا من قوى الامن بكامل تجهيزاتها وكأن حرب شوارع ستندلع عما قريب, ويبدو بان ثمة  هاجسا في مخيلة رئيس الحكومة او بعض مستشاريه الامنيين يتجاوز حجة الحكومة بشأن احتمالية المخاطر التي تجابه المتظاهرين بسبب الوضع الامني كما يتجاوز ماذهب اليه منتقدو سياسة رئيس الحكومة اتجاه المتظاهرين والذين وجدوها الفرصة لصب جام غضبهم عليه باعتباره القائد العام للقوات المسلحة الذي يقمع شعبه.
وحقيقة الامر ان الرئيس المالكي لم يكن ضد مطلب المتظاهرين الرئيس وليس من مصلحته قمع أحد خاصة وان الانتخابات على الابواب ولكنه ضد اسلوب المطالبة بالحقوق وهو ( التظاهر ) في هذه المرحلة التي تمر بها المنطقة والعالم العربي على وجه التحديد بدليل اعلانه تأييد تلك المطالب ومن ثم ترجمتها باصدار قانون التقاعد الموحد الجديد تمهيدا لاحالته الى مجلس النواب لتشريعه والذي تم بموجبه الغاء جميع القوانين الخاصة بتقاعد المسؤولين الكبار في الدولة بما فيهم أعضاء البرلمان , بمعنى آخر نوضح  بان  المالكي مازال يعيش هاجس ماسمي بالربيع العربي الذي استطاع من خلال التظاهرات والاعتصامات ان يسقط أنظمة بأكملها وحكومات والسير ببلدانها نحو المجهول حيث الوضع في ليبيا وتونس وسوريا التي يجري تدميرها ومصر التي مازالت في مخاض عسير ,ولا ادري اذا كان هدف المالكي الخوف على العملية السياسية أم على السلطة وما يتصل بها  من منافع ومكاسب معنوية ومادية جمة ولكن الهاجس واحد في الاحتمالين.
ولكن ماهي طبيعة هذا الهاجس اوما يمكن ان يسميه البعض الحس الامني , انا اعتقد ان رئيس الحكومة ينظر الى نوعين من الاعداء والمتربصين : الاول هم اعداء العملية السياسية برمتها وفي مقدمتهم بقايا النظام السابق بمختلف مستوياتهم الحزبية والطائفية وبعض الحالمين بالعودة للسلطة بأي ثمن وعلى يمينهم يقف الارهاب المتسلح باجندات اقليمية ودولية تستهدف العراق كدولة فاعلة في المجتمع الدولي والعربي لاسيما في الجانب الاقتصادي النفطي على وجه التحديد فضلا عن الموقع الجغرافي الاستراتيجي  ,والنوع الثاني هو بعض اطراف العملية السياسية الذين  يقفون بالضد من سياسات رئيس الحكومة وهم محكومون بخلافات اما ان تكون قد بدأت منذ انفضاض العملية الانتخابية عام   2010 وتشكيل التحالفات التي تمخضت عن انبثاق الكتلة الاكبر وصعود المالكي الذي ينتمي الى هذه الكتلة ووقوف كتلة اخرى معروفة تعتقد انها صاحبة الحق الاول لانها الفائز الاول في الانتخابات ,أو خلافات نشأت داخل هذه الكتلة الاكبر  بين رئيس الحكومة وبين بعض اطرافها سواء أكانوا كتلا داخل الكتلة الاكبر او افراد على خلفية اجراءات اتخذتها الحكومة ضد اعضائها او بعض مؤيديها وغير ذلك مما لامجال لذكره , حيث حاولوا استجوابه تمهيدا لسحب الثقة عنه لكنهم لم يتمكنوا, ولابد أنهم سيلجؤون الى وسائل أكثر تأثيرا ومن ذلك تأليب الجمهور ضد سياسة الحكومة خاصة وانها فشلت في ملفات ذات علاقة بالحاجات الملحة للجمهور ودفع اعضائهم للمشاركة في هذه التظاهرات بأي ثمن ودون حساب الخسائر التي تصيب العملية السياسية مضافا الى ذلك استغلال الاعداء الاساسيين لهذه التظاهرات التي قد تخرج عن السيطرة بما يؤدي الى انهيار العملية السياسية والرجوع بالبلد الى نقطة
الصفر أو في الاقل اسقاط الحكومة والدخول في فراغ سياسي خطير هو الآخر سيعيد البلاد الى المربع الاول.
ولكني أجد بنفس الوقت بأن الرئيس المالكي وفق هذا التحليل يكون قد ذهب بعيدا في هاجسه وتناسى الوعي الذي يمتلكه الناشطون العراقيون الذين يناضلون من اجل الحقوق المشروعة للشعب العراقي التي ذهبت ادراج الرياح بسبب نظام المحاصصة البغيض, وانهم قادرون على احباط أي مساع لحرف التظاهرات عن مطالبها الوطنية السلمية الاساسية او تسلل المعادين للعملية السياسية لاجهاضها رغم عدم تحقيقها للكثير من اماني الشعب , وعلى الحكومة ان تستعين بصوت الشعب الذي يرتفع في مثل هذه التظاهرات ليكون عونا لها في حل المعضلات التي يعاني منها العراق , وحمايته حماية حقيقية وليس قمعه .

kamiljabur@yahoo.com