هل نحن أمام حرب باردة جديدة..؟

 

 اثر قرار الولايات المتحدة الأمريكية بالقيام بعمل عسكري في سوريا ، هل تشهد منطقة الشرق الأوسط مرحلة جديد من ( الحرب الباردة) وانهيار استراتيجيه (( إعادة تنظيم العلاقات)) {{Reset }}  لعام  2009التي تقوم على أساس بناء شراكة استراتيجيه بين  روسيا والولايات المتحدة . وقد حققت هذه الإستراتيجية  العديد من الإختراقات، مثل انضمام موسكو إلى العقوبات الغربية ضد إيران ومشاركتها في الحرب في أفغانستان والشرق الأوسط وآسيا الوسطى، في مقابل دمج روسيا في الإقتصاد العالمي وإطلاق يدها جزئياً في  بعض مناطق الإتحاد السوفياتي السابق. إلا أن السنتين الأخيرتين شهدت جموداً ثم تراجعاً في هذا التعاون، بعد أن برزت خلافات بين الطرفين حول العديد من المسائل كسورية وثورات الربيع العربي، والدرع الصاروخي في أوروبا، والتطورات في جورجيا وأوكرانيا.
مع اقتراب الضربات العسكرية الأميركية للنظام السوري، تصاعدت حدة التصريحات الروسية، وذلك في وقت تحتشد فيه السفن الحربية الأميركية والروسية في البحر المتوسط في «تظاهرة» عسكرية تُذكر، بدرجة ما، بما كان عليه الحال زمن القطبية الثنائية. ويبدو أن الكونغرس الأميركي في طريقه لإقرار خطة أوباما «لتأديب» بشار الأسد ونظامه، وهذا في حد ذاته يزيد من حدة الغضب الروسي على لسان زعيم الكرملين، الذي صرح بأن الكونغرس الأميركي «لا يمكنه إعطاء تفويض لتوجيه ضربة إلى سوريا، لأن هذا ليس من صلاحياته». وعلل بوتين تصريحه هذا، بأن «كل ما لا يندرج في إطار مجلس الأمن الدولي من استخدام للقوة ضد دولة ما يعتبر عدواناً باستثناء الدفاع عن النفس، مشيراً إلى أن سوريا لم تهاجم الولايات المتحدة، ومن هنا لا يمكن الحديث عن الدفاع عن النفس».  وياتي تحرك الرئيس بوتين إلى التقارب مع الصين ، ودعوتها إلى الوقوف معاً ضد إستراتيجية أوباما التي أطلق عليه اسم "الاستدارة نحو آسيا.  بالمقابل كان لقرار روسيا منح  حق اللجوء السياسي للعميل ألمخابراتي الأمريكي ((سنودن)) حافزا للرئيس اوباما إلى إعلان وفاة اتفاقية (( إعادة التنظيم )) بين البلدين بعد تصريح اوباما بان بوتين مازال بعقلية الحرب الباردة.في حين وصف زعيم الكرملين تصرف كبار المسؤولين الأميركيين خلال النقاشات التي تجري في الكونغرس بالكذب، قائلا: «هم يكذبون، وهم على علم بأنهم يكذبون». وهنا التساؤل مهم فهل دخلت العلاقات الأمريكية - الروسية بالفعل مرحلة جديدة ستتغلَّب فيها روح التنافس على نزعة التعاون، والضغوط على التسويات، والمجابهات على التحالفات. قد لا تصل الأمور بينهما إلى مستوى الحرب الباردة الكاملة، بسبب غياب الصراع الإيديولوجي بينهما، من جهة، ولرغبة موسكو الجامحة في مواصلة الاندماج في الاقتصاد الرأسمالي العالمي.  بيد أن الواقع والإحداث على الأرض  لا تستبعد "نوعاً باردا" من الحرب ، أو شبه حرب باردة، في حال واصلت موسكو تقاربهما مع بيكين، وذلك كوسيلة ضغط لدى الطرفين لتحسين مواقعهما التفاوضية في النظام الدولي الجديد الناشئ؟  لا شك بأن الطريقة، التي ستُحل بها الأزمة السورية، ستضع علامات استفهام كثيرة على مستقبل العلاقات الروسية ـ الأميركية. فهذه العلاقات التي بدأت صفحة جديدة مع صعود باراك أوباما إلى سدة الرئاسة في واشنطن، وأُطلق عليها «صفحة إعادة تشغيل العلاقات بين البلدين» بعد التوتر في عهد بوش الإبن، باتت اليوم مرشحة للتوتر من جديد. ففي ولاية أوباما الأولى وولاية ميدفيديف الوحيدة، وافقت موسكو على مساعدة واشنطن في أفغانستان، وتراجعت واشنطن خطوة إلى الوراء بشأن الدرع الصاروخية، وإن لم تُرض هذه الخطوة الكرملين حتى الآن. كما تم التوقيع على معاهدة «ستارت الجديدة» لتقليص الأسلحة الإستراتيجية الهجومية، وإن ظلت بعض المشاكل بشأن التسلح عالقة بين البلدين. غير أن عودة واشنطن مع عودة فلاديمير بوتين مجدداً إلى الكرملين في العام 2012، إلى انتقاد حالة الديموقراطية في روسيا وتجاهل المصالح الروسية، قد أزعج كثيراً زعيم الكرملين. بكلمات أوضح: المنطقة مقبلة على شبه حرب باردة روسية - أمريكية ستُستخدم فيها كل أنواع الأسلحة الاقتصادية والدبوماسية والأمنية. والمؤكد أن الخاسر الأكبر في مثل هذه الحرب ستكون شعوب المنطقة، لأنه حين تتواجه الفيلة فوق الميدان يكون "العُشب" أول من يدفع الثمن .