إحترام التلميذ لأستاذه

 

 

جلس إمام زاوية سيدي صالح، ليلقي كعادته درس الجمعة. وبالصدفة يلمح شيخه، الشيخ بوعبد الله، الذي تخرّج على يديه، فما كان منه إلا أن توقّف على الفور، وأعطى الكلمة لشيخه، وطلب منه أن يلقي الدرس مكانه، فألقى الشيخ الدرس.

 

وأثناء تناول وجبة الغداء في القاعة المخصصة للضيوف، سألت الإمام الشاب عن معنى قوله في الخطبة: " العلم النافع يُصلحُ نِية الإنسان"، فأجاب وكلّه أدب واحترام .. لايمكنني أن أجيب في حضرة شيخي، وامتنع عن الإجابة، وطلب من شيخه بوعبد الله أن يجيب، فأجاب شيخه.

 

وأول عمل قام به الإمام، بعد الانتهاء من صلاة الجمعة، اتّجه مباشرة يعانق شيخه، ويرحب به من جديد، ولم يغتر بإقبال المصلين عليه، بل كان يطلب منهم، أن يلقوا السلام على شيخه، أولا.

 

ومنذ أسبوعين، وبعد صلاة الجمعة، سأل أحد المصلين، الإمام الشاب عن مسألة فقهية تتعلق بالنحل، فأجاب الإمام .. لايمكنني أن أفتي في حضرة شيخي بوعبد الله ، وطلب من السائل أن يتوجه بالسؤال لشيخه، فأفتاه شيخه، وفرح التلميذ كثيرا بفتوى شيخه.

 

وكان الإمام الشاب، في كل لحظة من اللحظات التي تجمعه بشيخه، والناس المحيطين من حوله .. إلا ويفتخر بشيخه، ويقدمه على أنه من فقهاء الجزائر، والمتمكنين جدا في الفقه المالكي، ولايتقدم عليه أبدا، في أكل أو شرب أو كلمة أو فتوى.

 

هذا السمو في الأدب، والعلو في الإحترام والأخلاق، مبثوث عبر صفحات الكتب. لكن من نعم الله على عبده، أن يمتّعه بالنظر إليها، كما هي في طبيعتها، ويلمسها في أقوال وحركات وأفعال بين تلميذ وشيخه، ويكون الشاهد على بقاءها، ورسوخها، وعدم اندثارها. ولعلّ نقلها يساهم في نشرها، وحب الناس إليها، والتمسّك بها.

 

إن العلم .. أدب وأخلاق، قبل أن يكون معلومات. وسيّدنا موسى عليه السلام، وهو النبي الرسول من أولي العزم، طلب من سيّدنا الخضر عليه السلام أن يعلّمه، فطلب منه الخضر عليه السلام، أن يمتثل لجملة من الآداب، لكي يصل إلى العلم الذي أخفاه الله عنه.