عذرا ياشعب , أنت السبب |
عذرا ياشعب , أنت السبب ... يقول مصطفى كامل : "ان الشعوب ما خلقت لتعيش عيشة الاغنام , بل لتحيا وتعمل وتستثمر الارض وما عليها وما فيها , وانها لو ارادت النجاح لادركته , لان ارادتها اكبر قوة في الارض" . و في حال لو قرر الشعب ان يكون كالقطيع فسيموت ويفنى ويندثر ويزول . ولو انتقلنا من التلميح الى الحديث المباشر , ففي العراق نحسب الظالم (بطلا) , ونصف المخادع الحيال اللعوب (بالشاطر) , ونعد المتظاهر (بطرانا) , ونبجل صاحب الجاه والمال , ونحقر فقير الحال , وان ادعينا عكس ذلك في الشعور والشعار , وعلى الواقع تقاس صدقية الامور , فلا دخل لنا بالنوى والمنى . نستقي ثوابتنا من الاخرين , ونسير برغائب غيرنا , لنطمر عقولنا الواعية المفكرة في سبات مظلم عميق , كما تفعل بعض الحشرات في فصل الشتاء , بيد ان هذه الحشرات ما ان ينتهي ذلك الفصل حتى تعود ناهضة لتستانف المثابرة النشاط والحيوية . ان الحكومات تتعاقب على حكم العراقيين بذات السياسات , مثلما يرسمها لهم من اتى بهم , سياسات تنص على التجويع والتجهيل والتنكيل والالهاء , وشعوب لايقدم لها شئ سوى الشعارات الفارغة وثرثرة المؤتمرات الصحفية , فان انتفضت تعود راسا الى سكونها وسكوتها مع اول رصاصة تطلق في الهواء , لكنها(الشعوب) في ذات الحين تحشد شبابها المخدوع وتجندهم لتنفيذ حماقات السلطان كوقود للحرب , وفي السلم للبطش بابناء جلدتهم ممن لم تنطفئ في قلوبهم وعقولهم جذوة الحرية والكرامة . الكثير ممن يطلق عليهم بالعراق (مثقفون) لايرتبطون بمفهوم الثقافة باي رابط , حتى خيل لهم بان الثقافة تعني اطالة الشعر او ارتداء قميص ممزوج الالوان او تعاطي كاسا من الخمر خلال جلسة سمر , او الاستعلاء على الاخرين وتوجيه سهام النقد لكل قريب وبعيد , متصورين ان كل الحكمة والسداد لا تعشش الا في ادمغتهم . علما ان الغالب الاعم من هؤلاء الذين دعوا الناس الى التظاهر , لم يبارحوا بيوتهم وغفوا في احضان زوجاتهم ساعة التظاهرات . ومن المؤسف المجتمع العراقي اليوم هو مجتمع طبقات ودرجات ومراتب , فمن الصعب تحشيده لامر ما , فانانية كل طبقة تفشل اختها , والمنتفعة تحارب المتضررة , والمتضررة تعادي المنتفعة , فهذا الانشطار الاجتماعي يصب لصالح الحكومة الجائرة , التي تتفنن يوميا بتعذيب وسحق الطبقة المحرومة او بالاحرى الضعيفة التي تحاول ان تسلك مسارات التغيير الحضارية , لكن العديد من العراقيين لايزالون الى الان يرددون المثل القائل (الف مرة جبان ولا الله يرحمه) , فكيف اذأ بحكومة تسمع هذا من شعبها , ولا تذله وتمتهن كرامته , كما تفعل اليوم . "كل حكومة صورة عن الشعب بحكمته وجنونه" (كارليل) |